مدرسة للذكور من أقدم المدارس في مصر. يديرها الرهبان بأسلوب صارم لم تتغير قواعده منذ عشرات السنين. تبدل الطلاب وتغيروا على مدى أكثر من 130 سنة هي عمر المدرسة، وتنوعت أساليبهم المبتكرة في «اقتباس» الأفكار يوم الامتحان، وكل جيل يعتقد أنه الأذكى والأدهى، لكن قوانين المدرسة لم تتغير. فالغش كان ولا يزال «جريمة كبرى» وال «اقتباس» يعرف بأنه «غش» ولا شيء غير ذلك. أما محاولات الاستخفاف بعقلية المراقب أو التقليل من قدرته على متابعة ما يجرى أمامه وخلفه وحوله في آن، فتقابل بإجراءات قمعية تتبع مبدأ «اضرب المربوط، يخاف السايب»، وهي اجراءات من شأنها أن تضمن حسن سلوك بقية الطلاب حتى آخر دقيقة في امتحانات نهاية العام. وعلى مدى سنوات عمره ال16 التي أمضى منها 11 سنةً بين أرجاء هذه المدرسة التاريخية، لم يخطر في بال مصطفى الطالب في الصف الثالث الإعدادي أنه سيخوض التجربة التي طالما حلم بممارستها. فلأن امتحانات الشهادة الإعدادية تلقب ب «امتحانات وزارة»، أي أن عملية الامتحانات تقع تحت طائلة وزارة التربية والتعليم بدءاً بوضعها ومروراً بالمراقبة في قاعات الامتحان وانتهاء بتصحيحها وإعلان النتائج، وجد مصطفى نفسه وجهاً لوجه مع من يجد للغش مسميات أخرى مثل «مساعدة الزملاء» و «التأكد من صحة الإجابة» و «إنقاذ الأصدقاء» وذلك من خلال تغاضي المراقب وإجراء حوارات جانبية سريعة حول الأسئلة الصعبة. «لكن كله إلا الغش من الكتب! هو ده الحرام بعينه، وربنا يعاقبنا عليه!». هكذا رسم المراقب خطاً فاصلاً بين الحرام والحلال في عملية تبادل المعلومات في قاعة الامتحان، وهي العملية التي تشهد تطوراً وتحديثاً مستمرين، سواء بسبب الثورات التقنية المستمرة أم بسبب التطور الفكري والديني لدى الطلاب أنفسهم أو بسبب المواقف التي يتبناها أولياء امورهم. وخلال الأيام القليلة الماضية، وهي موسم امتحانات، كان ممكناً رصد عدد من الأحداث التي تلخص وضع الغش عام 2010 من جهة، والتي تعكس حالاً اجتماعية عامة من جهة أخرى. تقدم تقني مذهل ولو كان مقتصراً على الاستخدام فقط، تدين مظهري مصحوب بقدرة كبيرة على التحليل والتحريم طبقاً للأهواء، إضافة إلى تطور فكري على مستوى الطلاب أنفسهم. فعلى المستوى التقني، استمر ظهور بعض حالات الغش ال «هاي تك»، أو المتقدمة تكنولوجياً والتي تستخدم فيها الهواتف المحمولة، وتقنية ال «بلو توث»، وغيرها. وربما تقف مثل هذه الاستخدامات وراء منع الطالبات من ارتداء النقاب داخل قاعات الامتحان الخاصة بامتحانات الثانوية الفنية التي بدأت منتصف الأسبوع الماضي. وعلى رغم أن المنع لم يأتِ معضداً بقرار أو بيان مكتوب، استبعاداً للجدل المتوقع، فإن التطبيق جارٍ على قدم وساق. ويشار إلى ان المنع سيشمل طالبات الثانوية العامة التي تبدأ امتحاناتها في 12 الجاري. مشاكل في الصعيد واتباعاً لمبدأ «شر البلية ما يضحك»، فقد نشبت معركتان حاميتا الوطيس الأسبوع الماضي في محافظة المنيا في صعيد مصر، الأولى في إحدى المدارس الإعدادية، بين مسؤولي لجنة الامتحان وأولياء الأمور، لاعتراض الطرف الأخير على حرمان أولادهم من الغش. ونشبت المشاجرة الثانية في مدرسة ثانوية، ليس بسبب منع الغش هذه المرة ولكن بسبب التفرقة بين الطلاب في جودة الغش. ففي الوقت الذي سمح فيه بالغش في بعض اللجان باستخدام الكتب المدرسية، حرم فيه طلاب في لجان أخرى من ميزة العودة إلى المقرر، وتم الاكتفاء بتداول المعلومات بين الطلاب فقط، وهو ما أثار غضبهم. وفي طنطا، هشم طلاب مدرسة إعدادية أثاث المدرسة بعدما منعهم المراقبون من «تبادل المعلومات» ذاك، أو أخذ وقت إضافي لتعويض ال15 دقيقة تأخيراً في بدء الامتحان. هذه الحوادث التي تثير الضحك تقابلها طرائف يبتدعها الطلاب تثير الضحك أيضاً، ولكن من باب كونها «قفشات» لم تدخل مرحلة التنفيذ بعد. فهذه الأيام يتداول الطلاب والطالبات على مواقع الإنترنت وأدواتها من «فيس بوك» و «يو تيوب» وغيرهما إعلاناً لتلميذ يستعد لامتحان الرياضيات، بأن كتب جدول الضرب داخل كم القميص. وأثناء جلوسه في الامتحان، نظر حوله ليتأكد من أن المراقبة لا تنظر إليه، ثم أمسك بكم القميص واستعد لنقل جدول الضرب، ليجد بدلاً منه عبارة «حظ سعيد في الامتحان» التوقيع: ماما. ثم تظهر صورة مسحوق الغسيل الفعال الذي استخدمته ماما ليلاً. كما ينتشر حالياً على هواتف الطلاب الترويج لخدمة «غششني شكراً» على غرار خدمات «كلمني شكراً» و «سلفني شكراً» التي تستخدمها إحدى شركات الاتصالات. أحد الطلاب وجد من الوقت والجهد في مثل هذا الوقت الحرج من العام ما يتيح له كتابة مقال يسرد فيه فوائد الغش ومنها «ترسيخ مبدأ التعاون وحسن الجوار، إضافة إلى دعم روابط المحبة، تقديم خدمة للمراقب الذي عادة يعاني الأمرين من الملل لجلوسه من دون حراك طيلة فترة الامتحان، إظهار روح التضحية لديك، لأن المراقب سيكون منشغلاً بما تفعله، ما يتيح الفرصة لزملائك للغش بطريقة أفضل. ثم إن احتمالات فضح أمرك عالية جداً، وهو ما سيؤدي غالباً إلى توسيع دائرة معارفك التي ستشتمل على مراقب الدور، ورئيس اللجنة، وربما السيد وكيل الوزارة، ولو كنت محظوظاً فستعرف صورتك طريقها إلى صفحات الجرائد ومنها إلى مواقع الإنترنت وبرامج ال «توك شو». وأخيراً، فإن تلبسك بواقعة الغش سيضمن لك إجازة صيف أطول، إذ ستمنع من دخول بقية الامتحانات». المهم هو أن كاتب المقال ذيله بعبارة تحذيرية: «هذه دعابة. إياكم والغش».