حلب (سورية) - رويترز - الأطعمة التركية الشهية معروضة من دون استحياء في عاصمة الطهو. فقد تحول تجار حلب للاستيراد من تركيا، فيما تنقل حافلات متسوقين إلى مجمع تجاري راق عبر الحدود. وأطلق دفء العلاقات التركية - السورية بعد فتور العنان لازدهار تجاري في اتجاه واحد. وخفض اتفاق تجاري أحياه البلدان قبل سنتين الرسوم الجمركية وقلص التهريب. وألغيت شروط الحصول على تأشيرات للسفر. وتزايدت شعبية تركيا في سورية بعد الهجوم الإسرائيلي على قافلة سفن مساعدات كانت في طريقها إلى غزة الذي قُتل فيه تسعة أتراك في 31 أيار (مايو) الماضي. وأشار ديبلوماسي إلى أن «لدى تركيا الآن حصة في القضية الفلسطينية وسورية تنهض من جديد... سيكون من الأصعب على إسرائيل أن تقوم بأي تحرك عسكري ضد سورية». كما صرف الغضب بسبب اعتراض قافلة السفن الأنظار بعيداً من الضغوط الإسرائيلية والأميركية على سورية بسبب الإمدادات المزعومة للأسلحة إلى «حزب الله» في لبنان. وكان السوريون يرتابون تقليدياً من جارتهم الشمالية القوية التي حكمتهم إبان الإمبراطورية العثمانية، لكن كثيرين ينظرون الآن نظرة جديدة إلى تركيا العلمانية المسلمة وهي عضو في «حلف شمال الأطلسي» وتحكمها حكومة ذات توجه إسلامي. وقال عبد القادرالديري، وهو رجل أعمال سوري يشتري الآن معدات لمطعم من تركيا بدلاً من أوروبا: «حان الوقت كي نتخلى عن الوصمة التي ألصقناها بتركيا. لم يعودوا عثمانيين بل أصبحوا نموذجاً للتنمية في المشرق العربي». وتابع أن «تكاليف النقل أقل، لكن السلع التركية ليست سلعاً منافسة من حيث السعر فقط، بل إن جودتها عالية». ويمضي الديري إجازاته غالباً في تركيا. ويتعلم ابنه الذي يبلغ الثامنة من العمر اللغة التركية. وقال وهو يمضغ قطعة من البقلاوة من مدينة غازي عنتاب التركية: «علينا أن نعترف بأن الأتراك يصنعون الحلوى أفضل منا. الفستق والزبدة أفضل وكذلك التصنيع». وفي السنوات الأخيرة تحركت تركيا التي تعتبر سورية بوابة للشرق إلى حل الخلافات القديمة مع الدول العربية بينما أصبحت أكثر انتقاداً لإسرائيل. وتوسطت أنقرة في محادثات غير مباشرة للسلام بين سورية وإسرائيل انهارت عندما هاجمت إسرائيل قطاع غزة عام 2008 . وأكد السفير التركي في دمشق عمر أونهون أن «سورية بلد مهم كسوق متنام وشريك اقتصادي واعد، علاوة على أن لها مكانة مهمة في القضايا الإقليمية، لذا فمن الطبيعي أن تتحسن علاقاتنا». لكن الدولتين اللتين كانتا في معسكرين متعارضين إبان الحرب الباردة أصبحتا على شفا حرب عام 1998 بسبب الدعم السوري المزعوم ل «حزب العمال الكردستاني»، الجماعة الكردية التركية الانفصالية المسلحة. ولم يبدأ العمل في إزالة الألغام على الحدود البالغ طولها 800 كيلومتر إلا قبل سنتين. وسبق أن شكت سورية من أن السدود التي أقامتها تركيا عند المنابع أدت إلى تفاقم العجز المائي الذي تعاني منه. وتطالب سورية منذ فترة طويلة باسترداد لواء الإسكندرونة الذي تنازلت عنه فرنسا لتركيا عام 1939 عندما كانت سورية خاضعة للحكم الفرنسي. ولا تزال الخرائط السورية تعتبر الإقليم الحدودي جزءاً من سورية، لكن الحكومة أشارت إلى إمكانية التوصل إلى حل. ووسعت تركيا في السنوات الأخيرة من الحقوق الممنوحة للأقلية الكردية بضغوط من الغرب على رغم استمرار الاشتباكات مع «حزب العمال الكردستاني». وتضم سورية نحو مليون كردي يشكون من حرمانهم حقوق المواطنة. ومع هذا فإن تخفيف القيود التجارية السورية - التركية يساعد في ازدهار حلب وهي مدينة فيها نسبة كبيرة من السكان الأكراد. ويملأ رجال أعمال أتراك فنادق حلب أملاً ببيع سلع للسوريين. وتشير البيانات الرسمية إلى أن المشاريع المشتركة، خصوصاً في تصنيع الجينز والمنسوجات، تشكل نصف الاستثمارات البالغ حجمها 650 مليون دولار في منطقة الشيخ نجار الصناعية القريبة، لكن الاستثمارات السورية في تركيا تظل ضئيلة نسبياً. ولفت معاون نائب الرئيس السوري حسن تركماني إلى أن العلاقات مع تركيا ساعدت سورية على التغلب على المحاولات الغربية لعزلها، لكنه اعترف بمشاكل الصداقة مع قوة اقتصادية حجم اقتصادها يبلغ عشرة أضعاف الاقتصاد السوري. وارتفع حجم الصادرات التركية إلى سورية إلى 1.4 بليون دولار عام 2009 من 1.1 بليون دولار في السنة السابقة. وفي المقابل، انخفضت الصادرات السورية التي يشكل النفط معظمها إلى 328 مليون دولار تقريباً في الفترة ذاتها. وشدد تركماني على أن «سورية تملك الأرضية، وإذا استطاعت الاستفادة من التجربة الاقتصادية للأتراك وإدخال التكنولوجيا وتوظيفها لتطوير قطاع الصناعة فسندخل حيز المنافسة». والعلاقة المزدهرة مع تركيا قد تشجع سورية على التحول عن اتفاق اقتصادي مع الاتحاد الأوروبي قد يجبر الحكومة على البحث في إصلاحات سياسية. وأشارت سورية إلى التدخل في الشؤون الداخلية والضرر الاقتصادي المحتمل كأسباب تدعو إلى رفض التوقيع على الاتفاق السنة الماضية. ولكن لا يرى الجميع أن ذلك الموقف كان موقفاً جيداً. قال رجل أعمال سوري: «ما كنا سنخسره إلى الاتحاد الأوروبي سنخسره الآن إلى تركيا». ووقعت الدولتان السنة الماضية 50 بروتوكولاً تتراوح بين الطاقة إلى النقل التي ستعزز النفوذ التركي. ويقول مسؤولون أتراك حريصون على أن يروا جهوداً سورية لتخفيف ازدحام الشاحنات على الحدود إن التقدم بطيء. وأكد أحد المسؤولين الأتراك أن «التجارة في صالحنا. ولكن سيتدفق مزيد من الاستثمارات التركية ويبدأ العمال السوريون في التوجه إلى تركيا». وقال رجل الأعمال السوري فهد طفنكشي إن الشركات السورية لا يمكنها أن تعول فقط على انخفاض أجور العمال لجذب شركاء أتراك. وتابع: «تأتي الشركة التركية وترضى عن مستوى العمل في الأشهر الستة الأولى، ولكن على الشريك السوري الحفاظ على الجودة».