كانت الدورة السنوية للبرلمان الصيني في بكين التي اختتمت أعمالها في 16 من الشهر الجاري، إحدى أبرز الأحداث السياسية للعام الحالي. وغالباً ما تشهد هذه الاجتماعات اتخاذ قرارات سياسية حاسمة سنوياً تصب في مجالات عدة أهمها النمو الاقتصادي. وأشار تحليل أسبوعي للأسواق الناشئة تصدره «شركة آسيا للاستثمار»، الى ان إدراك المسؤولين حقيقة التباطؤ الحالي انعكس خفضاً لسقف أهداف النمو الاقتصادي، من 7 إلى 6.5 في المئة بين عامي 2015 و2016. إضافة إلى ذلك كشف المؤتمر الكثير من التفاصيل حول السياسة المالية والإصلاحات، في ظل مواجهة الصين أزمة حقيقية، وألقى الضوء على حاجة البلاد إلى الإصلاحات لضمان النمو المستدام، على رغم احتمال أن تضر هذه الإصلاحات بالنمو على المدى القصير. وأشار تقرير إلى أنّ المسؤولين يدركون ذلك ولكنهم يحاولون الجمع بين أدوات مختلفة لتحقيق نموٍ مستدام من دون الإضرار بالنمو القصير المدى. وأوضح تقرير «آسيا للاستثمار» أنّ الصين تحتاج حوافز مالية ونقدية خلال العام الحالي لتجنب تكرار تدهور الاقتصاد، حيثُ أعلن «مجلس الشعب» الصيني بعض الإجراءات التي سيتم اعتمادها مثل إمكان حدوث عجز مالي أكبر. وأقر المجلس هدف رفع الناتج المحلي الإجمالي من 2.5 في المئة عام 2015 إلى 3.0 في المئة هذه السنة. ويُتوقع استمرار الإنفاق على البنية التحتية على رغم صعوبة تقدير حجمها لأن من المعتاد أن تدرج في الموازنات المحلية، وليس في موازنة الحكومة المركزية. وجاء في التقرير: «في السياسة النقدية، يبدو أن الصين ستكون أكثر حذراً. وكشف أحدث تصريحات محافظ «بنك الشعب» الصيني (البنك المركزي)، تشو شياو تشوان، عن قلق المسؤولين في شأن الاستقرار المالي وتدفقات رأس المال، إذ إنّ اللجوء إلى مزيد من الحوافز يضعف العملة». وتوقّع التقرير «أن تظل السياسة متكيفة مع الوضع الاقتصادي» وتوقع «خفض نسبة متطلبات الاحتياط للبنوك وأسعار الفائدة». ووضعت أهداف نمو الإمدادات المالية ومعدل التضخم عند 13 في المئة و3 في المئة على التوالي، ما يشير إلى وجود درجة جيدة من التكيّف». ولفتت «آسيا للاستثمار» إلى أنّ الإصلاحات هي إحدى أهم الأدوات السياسية، حيثُ أنّ الهدف الرئيس منها هو إعادة التوازن الاقتصادي وتحويله من اقتصاد قائم على الاستثمار إلى اقتصاد قائم على الاستهلاك المكثف، يمتاز بقطاع خدمات أكبر وبدور أبرز للابتكار، وقد تعهدت الحكومة تطبيق إصلاحات ليبرالية مثل فتح القطاعات أمام الاستثمار الأجنبي والخاص بهدف تحقيق هذه النقلة». وتنطلق هذه الإصلاحات من إصلاح الشركات المملوكة للدولة من حيث الحوكمة والملكية، ودعم ريادة الأعمال من خلال الإعفاءات الضريبية، وصولاً إلى تشجيع التجارة الدولية من خلال الاتفاقات مع الدول الأخرى. ورفع المسؤولون هدف البحث والتطوير من 2.1 في المئة إلى 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أقر خفض الطاقة الزائدة عن الحاجة في صناعات مثل الصلب والإسمنت والألومنيوم. وتشير تقديرات إلى ضرورة تسريح نحو ستة ملايين عامل، إلا أن التعديل ربما يحصل تدريجاً لتجنب التسريحات الجماعية للعمال. وستعطي الحكومة أولوية لعمليات دمج الشركات بدلاً من إغلاقها. وخلص تقرير «آسيا للاستثمار» إلى أنّ جدول أعمال السياسة الصينية لهذا العام يبدّي السياسة المالية على السياسة النقدية، على رغم خفض نسبة متطلبات الاحتياط وسعر الإقراض مرة أخرى. وتوقع ألا يكون هناك خفض تنافسي لارتفاع خطر عدم الاستقرار المالي، بل رجّح التركيز على الإصلاحات خصوصاً في المناطق الأقل عرضة لتدهور النمو على المدى القصير مثل تدفقات رأس المال الأجنبي ورأس المال الخاص لقطاعات محدودة في السابق. ورأى التقرير أنّ المسؤولين في الصين يدركون ضرورة التصرف في ما يخص التدابير المالية والنقدية وتبني فكرة حل القضايا الهيكلية. والزمن وحده كفيل بإثبات مدى تطابق هذه الخطابات مع كيفية العمل الفعلي بها.