تعمل السلطات الصينية جاهدةً للسيطرة على تباطؤ نمو اقتصاد البلاد، ففي الأسبوع الماضي، أعلن «بنك الشعب» الصيني (المصرف المركزي) أنه قد يخفض كمية الأموال النقدية التي يجب أن تحافظ عليها المصارف كاحتياط، بنحو مئة نقطة أساس. ويصل معدل متطلبات الاحتياط حالياً إلى 18.5 في المئة بالنسبة للمصارف الكبيرة، و16.5 في المئة للمصارف الصغيرة، و15 في المئة لمصارف الريف. وخفّض «المركزي» الصيني نسبة الفائدة الرئيسة مرتين في غضون الأشهر الستة الماضية، وفق ما أشار التقرير الأسبوعي الصادر عن «شركة آسيا للاستثمار». وحتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كان موقف السياسة النقدية للصين حيادياً نسبياً لمدة تزيد على سنتين. لكن البيئة الاقتصادية العالمية تدهورت، ويُتوقع أن يواصل المصرف المركزي الصيني ضخ المال في النظام المالي لضمان حصول التباطؤ بسلاسة. وأضاف التقرير: «أن الاقتصاد الصيني سجل أدنى معدلات نموه منذ 2009، في الربع الأول من العام تباطأ الناتج المحلي الإجمالي إلى سبعة في المئة على الأساس السنوي من أصل 7.3 في المئة المسجلة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2014. وفي 2011 فقط، بلغ النمو السنوي 9.5 في المئة. ويعود السبب الجوهري في هذا التباطؤ إلى جانب الاستثمار، إذ انخفضت مساهمة هذا القطاع في نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 17.4 في المئة، مقارنة بالمعدل الوسطي التاريخي البالغ 36.3 في المئة في الربع ذاته ما بين عامي 2010 و2014. أما الحملة على الإقراض المسجل خارج الموازنة العامة التي قيّدت الشروط المالية ورفعت التكاليف التمويلية على الشركات إضافة إلى تدهور قطاع السكن، فكان لهما تأثير سلبي ملحوظ على الاستثمارات في البلاد. وجاء في تقرير «آسيا للاستثمار» أن «هذا الانخفاض الذي شهده الاستثمار لم يتأثر من قوى السوق كلياً، فالصين تهدف إلى أن تصبح اقتصاداً قائماً على الاستهلاك». وتظهر البيانات الأخيرة المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي أن مساهمة الاستهلاك إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بقيت قوية نسبياً عند 64.1 في المئة، مقارنة بالمعدل الوسطي في ربعها الأول حين بلغت 66.6 في المئة بين عامي 2010 و2014. وأفرزت مساعي ضخ السيولة في الربع الأول نتائج مختلفة في القطاع المالي. فمن جهة، كانت السيولة بين المصارف في وضع جيد، واستقرت عند حوالى 3 في المئة. وفي الجانب الآخر، انخفض إجمالي تمويل المشاريع الاجتماعية في الاقتصاد، بما فيها القروض بالريمينبي (اليوان)، بنسبة 18.3 في المئة على أساس سنوي، ليبلغ متوسط نموها 5.6 في المئة في خمس سنوات. وعزا التقرير بعض أسباب ذلك إلى السياسة الحكومية للتحكم بالتمويل الخارج عن الموازنة العامة، مثل القروض التي تعتمد على السمعة، التي هبطت بنسبة تزيد على 50 في المئة على أساس سنوي في الربع الأخير مقارنة مع متوسط معدل نموها البالغ 40 في المئة في السنوات الخمس الماضية. أما النمو الائتماني فيشير التقرير إلى أنه كان قوياً خلال تلك الفترة، إذ ارتفع الإقراض الرسمي بالريمينبي بنسبة 19.7 في المئة سنوياً، أي أعلى من المعدل الوسطي لخمس سنوات البالغ 7 في المئة. ونجح بنك الشعب الصيني في تحفيز النمو الائتماني عبر القطاع الرسمي، بينما حافظ على مستوى الإقراض غير الرسمي. ففي أبريل، مع تزايد توقعات تخفيض بنك الشعب الصيني لنسبة الفائدة، هبط معدل الإنتربنك إلى 2 في المئة، وهو المستوى الأدنى في غضون 12 شهراً. كما خفف البنك الشروط المالية بشكل كبير في الأشهر القليلة الماضية، مما يشير إلى نمو ائتماني أكبر وطلب محلي في الربع المقبل. إلى ذلك، بيّن تقرير «آسيا للاستثمار» أن تخفيف السياسة النقدية سيعزز من النمو في المدى القصير، وفيما ستواصل الصين تدريجاً تطبيق الإصلاحات الهيكلية. حتى الآن، بدأ «البنك» المركزي تخفيف سيطرته على نسب الفائدة، التي قد تتحرر كلياً خلال العام الحالي وفق ما ذكره المحافظ. وتتدخل السلطات قليلاً في التدفقات النقدية العابرة للحدود، كما اتضح في توسعة نطاق التجارة العام الماضي. الأهم من هذا، أن معالجة قضية الديون الحكومية المحلية ومصدر الدخل، يُعد خطوة إيجابية نحو مزيد من الشفافية، على رغم مضاعفة حصة مبيعات سندات الحكومة المحلية ثلاث مرات. وأشار التقرير إلى أن القيادة الصينية تشرف على تحول اقتصادي تدريجي مهم، بينما تدعم النمو الاقتصادي على المدى القصير بهدف تحقيق نمو الناتج المحلي الإجمالي المستهدف لهذا العام بنسبة سبعة في المئة. حتى الآن، يبدو أن الصين تسير وفق تحقيق هذين الهدفين، لكنها قد تحتاج إلى ضخ مزيد من السيولة من أجل تلبية الهدف الأخير. ونظراً إلى تراجع الضغوط التضخمية، قد تطرح السلطات في البلاد مزيداً من برامج الإنعاش سواء على الصعيد المالي أو النقدي، ما سيصب في مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي، على اعتبار أن الطلب في البلاد على الطاقة سيكتسب زخماً.