في أميركا: مجلة «نيوزويك» معروضة للبيع. في البحرين: احتجبت صحيفة «الوقت». في الكويت، توقفت «أوان». في دولة الإمارات: مجلة «السوبر» تحولت من الطبعة الورقية إلى الإلكترونية. في لندن، انتقلت «الإندبندنت» إلى عهدة مالك جديد. في كل مكان يجأر قادة صناعة الصحف والمجلات بالشكوى من «تبخّر» الإعلانات من جراء الأزمة المالية العالمية. لكن واقع الصحافة السعودية مختلف تماماً. ففيما تموت صحف وتحتضر مجلات وتستسلم أخرى لسطوة «الإنترنت»، تصافح إصدارات جديدة عيون القراء في أرجاء المملكة، ويتحول بعضها من «التابلويد» إلى الحجم الكبير، وتنغمس المؤسسات الصحافية في حملات «باذخة» لاستقطاب مشتركين جدد، بما في ذلك إعلان إحداها تخصيص 100 لتر وقود مجاناً للمشترك! وعلى رغم أن الأزمة المالية العالمية شددت الخناق على القطاع الإعلامي في أنحاء العالم، إلا أن الصحف السعودية لا تزال تعيش ربيعها، فقد صدرت صحيفة «الحوار» الأسبوعية في نيسان (أبريل) الماضي. وتحولت صحيفة «شمس» من الحجم «التابلويد» إلى الحجم المعتاد. وتتردد في الرياضوجدة أنباء عن مرحلة مخاض لولادة صحف عدة. وتجلّت ملامح «العافية» في سوق الصحافة السعودية في صور التنافس على كسب القارئ، من خلال حُمّى الحملات الإعلانية الضخمة لتسويق الاشتراكات. لكن المشرف العام على «الشركة الوطنية للإعلان» علي الشيباني حذّر من التفاؤل بالوضع الحالي. وقال: «نعيش مرحلة سكون تجاه الأزمة التي عمّت العالم أجمع، لكن هناك إجماعاً من الخبراء والدراسات على أن موجة «الإنترنت» مقبلة لا محالة». وأضاف: «عدد مستخدمي الإنترنت في السعودية في تصاعد، وهناك ابتعاد واضح عن التعامل مع الصحافة الورقية، ربما الجيل الحالي يشاهد الصحيفة التي تصله من طريق الاشتراكات، لكن الجيل اللاحق والذي يليه لن يستمرا على النهج ذاته». وقال: «هناك إشكالات أخرى قد تعجّل بالقضاء على الصحافة الورقية منها: تأثر صناعة الورق، في ظل تصاعد الدعوة لحماية البيئة وقضايا الاحتباس الحراري وغيرها وهو ما سيزيد سعر الورق، وبالتالي سيدفع إلى البحث عن وسائل أخرى». ورأى رئيس تحرير «شمس» خالد دراج أن السعودية كانت الأقل تأثراً بالأزمة المالية العالمية على الأصعدة كافة، قائلاً: «متانة السياسة الاقتصادية تنعكس على أي حراك اقتصادي في السعودية التي نجحت في أن تكون الأقل تأثراً بالأزمات قياساً بدول عظمى واقتصادات ضخمة، وهذا الأمر يندرج أيضاً على سوق الصحافة السعودية». ورفض دراج اعتبار إغلاق صحف خليجية دليلاً على حال السوق الصحافية. وقال: «أتذكر أن رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية أحمد الجارالله قال جملة مميزة، وهي أن هناك صحفاً وُلِدت بأكفانها، فبعض الصحف أغلقت لسوء التخطيط، وليس لسوء الحركة الاقتصادية». وأضاف: «دعنا نضرب المثل ب«الحياة»، إذ كان هناك تخطيط متقن لتقديم صحيفة دولية بنكهة محلية، ونجح التخطيط السليم والرؤية الاستراتيجية». وأشار دراج إلى أن الصحف السعودية لم تسرّح موظفيها، بل اقتصرت خطواتها الترشيدية في إعادة الهيكلة، مضيفاً: «أتحدث هنا عن المتفرغين وليس على صعيد المتعاونين، فالسوق السعودية الإعلانية والإعلامية قوية وفيها قوة شرائية كبيرة، بناء على الدراسات، ولا أعتقد بأن هناك مشكلة على مستوى قراءة الصحف في السعودية حتى 10 سنوات مقبلة». ورجّح عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود ياسر غسلان أن السوق تخضع للقاعدة التي تقول إن مع كل مشكلة هناك فرصة، ولا سيما للقادرين على التعامل مع الأزمات. وقال: «ظهور صحف جديدة يرجع إلى وجود رجال أعمال مغامرين، فضلاً عن أن الصحف الجديدة لا تتعرّض لخسائر توازي الصحف الكبرى التي لديها تاريخ عريق التي يصنّف تراجع مبيعاتها تحت بند الخسائر، بينما الصحف الجديدة تُدرج المداخيل أياً كانت تحت بند الأرباح».