في ليلة باردة من تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 فر خالد من قريته في جبل الزاوية بريف إدلب هرباً من «جبهة النصرة»، التي اقتحمت معقل قائده جمال معروف قائد «جبهة ثوار سورية»، أكبر فصائل الجيش الحر في المحافظة وأكثرها مناهضة ل «النصرة» وغيرها من التنظيمات المتطرفة حينذاك. ترك خالد زوجته وأطفاله ونجا بنفسه كمئات من رفاقه حتى بلغوا الأمان التركي، هناك تُركوا فهاجر من استطاع، واستقر آخرون، لكن خالد لم يتحمل العيش في تركيا وحيداً ومن دون دخل فعاد للقتال بعد أشهر ملتحقاً «بجيش الثوار» الفصيل الجديد المتحالف مع الوحدات الكردية. في نهاية تشرين الثاني 2015 تداول نشطاء سوريون فيديو يظهر إعدام خالد وأحد رفاقه ذبحاً على يد مجموعة إسلامية تمكنت من أسرهم بعد اقتحام مقرهم قرب عفرين في ريف حلب الشمالي. ثوار ال 2011 تحت الغطاء الروسي! ضم «جيش الثوار» عند تأسيسه منتصف 2015 قوتين متباينتين: عناصر من فصائل الجيش الحر التي نكلت بها «النصرة» ضمن حربها على «المفسدين» حين قضت على عدد من أهم فصائل الجيش الحر في الشمال ك «جبهة ثوار سورية» و«حركة حزم» و«جبهة الحق المقاتلة» وغيرها، هؤلاء منهم الجيل الأول من حملة السلاح السوريين والذين ارتكبوا الأخطاء الأولى. أما القوة الثانية فهي كتائب كردية تنتسب للجيش الحر كجبهة الأكراد و «كتائب شمس الشمال» المدعومة من الوحدات الكردية. علاقة الفصيل المعلن من أراضي الإدارة الذاتية اتسمت بالتوتر مع الجيش الحر في الريف الشمالي، حيث فشلت، خلال ثلاثة أشهر، خمس اتفاقيات لجيش الثوار مع غرفة عمليات مارع. لكنها كانت عدائية مع الإسلاميين حيث اشتبكت جبهة النصرة مع «جيش الثوار» بعد شهر من إعلانه على جبهة مارع المشتعلة ضد «داعش» آنذلك. التصعيد الأكبر بين الطرفين جاء عقب إنضمام جيش الثوار لما سمي قوات سورية الديموقراطية إلى جانب الوحدات الكردية نهاية 2015 والتي بدأت بالتوسع في الريف الشمالي من عفرين شرقاً على حساب مناطق المعارضة. التقدم البطيء الذي بدأت تحرزه القوات الديموقراطية في قرى مثل المالكية وتنب تسارع بعد تكثيف الدعم الجوي الروسي مطلع شباط (فبراير) الجاري بالتزامن مع حملة النظام التي فصلت الريف الشمالي عن المدينة، ذلك مكّن «قوات سورية الديموقراطية» من دخول منغ ومطارها العسكري ثم تل رفعت ومناطق عديدة آخرى. «نحن نحارب القاعدة والتنظيمات الإرهابية، ولا ننسق مع الطيران الروسي» يقول طارق أبو زيد الناطق الرسمي باسم جيش الثوار، ويتابع: «الريف الشمالي لحلب سيكون من نصيب جيش الثوار، ولن نسمح بوجود الإسلاميين فيه، أما عناصر فصائل الجيش الحر غير المتحالفة مع «القاعدة» فهم إخوتنا، يمكنهم الإنضمام إلينا أو المغادرة». من الجانب الآخر يقول محمود ندوم عضو المجلس العسكري الموحد في الريف الشمالي الذي تأسس مؤخراً أن «تل رفعت تعرضت لحوالى ثلاثمئة غارة من الطيران الروسي خلال اليومين الأخيرين قبيل سقوطها، لقد أستشهد حوالى 150 من المدنيين ومقاتلي الجيش الحر في تلك الغارات حتى قررنا الإنسحاب، لم يكن أي عنصر لجبهة النصرة هناك والقوات التي دخلت تل رفعت المدمرة والخاوية هي الوحدات الكردية. أما عناصر جيش الثوار فلم يكونوا سوى واجهة للإعلام وأعدادهم لا تتجاوز عشرات في صفوف المهاجمين». هل تنجح حيلة تل أبيض في إعزاز؟ احتاجت وحدات حماية الشعب الكردية لغطاء عربي عند هجومها على تل أبيض في ريف الرقة الشمالي بدعم من طائرات التحالف منتصف العام الماضي، قام لواء ثوار الرقة الفار من «داعش» بأداء الدور حينذاك، لكن الأخير هُمّش بعد ذلك والبيانات العدة التي أصدرها رافضاً ضم تل أبيض لأراضي الإدارة الذاتية لم تلق إستجابة من الحليف الكردي. ما يحدث في حلب اليوم مختلف كون الطائرات الداعمة روسية هذه المرة، والمستهدفون بمعظمهم عناصر من الجيش السوري الحر. وذلك ما لم تتمكن القوات الديموقراطية من تمريره فكانت قطيعة نهائية بينهم وبين قوى الثورة، ولعل إقدام بعض عناصر الجيش الحر في تل رفعت على حرق ما تبقى من منازلهم ومحالهم في المدينة قبيل الإنسحاب مؤشر ذلك. ثم أن هناك تركيا التي بدأت مدفعيتها تقصف مواقع «القوات الديموقراطية» في أول تدخل عسكري بهذا الحجم للجارة الخائفة من كيان كردي. آثار القطيعة ظهرت بسرعة على جيش الثوار حيث أعلن عبسي الطه أحد مؤسسي الجيش اعتزاله القتال عبر صفحته على «فايسبوك»، ذلك ما لم ينفه طارق أبو زيد الذي قال: «يوجد ضغط نفسي على عناصرنا بخاصة أننا نقاتل اليوم من كنا في صفهم بالأمس». يستدرك المتحدث: «لكن لواء القعقاع الذي يقوده عبسي ضمن جيش الثوار ما زال موجوداً ويقاتل معنا». بينما يؤكد ندوم أن لا إتفاق مع القوات المغتصبة، كما وصفها، حتى تتراجع عن المناطق التي احتلتها بالقوة الروسية. وفي هذا الوقت يعبر مئات من مقاتلي الجيش الحر من إدلب إلى إعزاز مروراً بتركيا في مؤشر إلى أن الخريطة العسكرية في الريف الشمالي قد لا تستقر قريباً. خالد الذي لم يذبح بعد في الفيديو الذي يظهر خالد أسيراً مصاباً مسجى على الأرض وبجانبه رفيقه حمود يحاول وقف نزيف الدم من مكان ما في رأسه، يمدح الأسير حسن معاملة «الإخوة الإسلاميين» له عقب تسليم نفسه، ويدعو مقاتلي حمص وجبل الزاوية في جيش الثوار إلى تسليم أنفسهم وتلقي المعاملة الحسنة نفسها. لكن حياة خالد انتهت ذلك اليوم، وبقيت الجبهة مفتوحة تبتلع المزيد من السوريين تحت رايات شتى.