إيران دولة كبيرة بمقاييس المنطقة. دولة قديمة وعريقة. لا يمكن تجاهلها في اي ترتيبات للأمن والاستقرار في الاقليم. لا مصلحة للعرب في بناء سياساتهم على قاعدة معاداتها. الاشتباك السياسي والاعلامي الحاد معها يضخ التوتر في اكثر من دولة. تصاعده يمكن ان يرتدي طابعا مذهبيا. الرياح التي هبّت من بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين كانت مؤذية. بعض الاحداث التي شهدتها بيروت لم تكن بسيطة بدورها. لا مصلحة للعرب في حرب اميركية - ايرانية. مثل هذه الحرب لا يمكن ان تسقط نظاما كالنظام القائم في طهران. تستطيع الآلة العسكرية الاميركية ارجاع ايران عقودا الى الوراء. لكن المنطقة ستدفع بالتأكيد ثمن مواجهة من هذا النوع. الأكيد ان الحرب على ايران ليست مدرجة على جدول اعمال باراك اوباما. لن نخوض في الاسباب وهي كثيرة. الادارة الحالية اختارت نهج مدّ اليد والحوار على قاعدة المصالح. تخطئ طهران اذا اعتقدت ان عرض اوباما يبطن ضعفا بلغ درجة الرغبة في الاستسلام. لا مصلحة للعرب في رؤية الطائرات الاسرائيلية تغير على المنشآت النووية الايرانية. حدث من هذا النوع يمكن ان يلهب جبهات فضلاً عن الشارع السريع الالتهاب وبغض النظر عن نتائج الفورات التي تنتابه. سيكون من الصعب على ايران الاكتفاء برد شكلي على هجوم اسرائيلي. ردها الواسع قد يلزم اميركا بدخول الحرب. لا مصلحة للعرب في ان يسود الانطباع ان ايران تعاقَب بسبب عدائها الشديد لاسرائيل. لا مصلحة للعرب في رؤية النظام الايراني يتكئ على بوليصة تأمين اسمها القنبلة النووية. التذرع بالقنبلة الاسرائيلية لا يبرر اقامة العرب بين قنبلتين على رغم الفوارق الطبيعية في نظرة العرب الى الدولتين. من حق الايرانيين ان يختاروا نظامهم. ومن حقهم امتلاك الطاقة النووية السلمية لكن امتلاك القنبلة يشكل إخلالا فاضحا بموازين القوى في المنطقة. وسيكون حينها على العرب إما الرضوخ لولادة دولة كبرى في المنطقة لها حق النظر في سياسات دولها او التقدم نحو النادي النووي وهو خيار خطير في منطقة غير مستقرة. لا مصلحة للعرب في ايران قلقة على نظامها وموقعها ومصالحها. ايران منبوذة. او موسومة بالانتماء الى محور الشر. ولا مصلحة لهم في رد ايراني يرمي الى الاشتباك مع اميركا على الارض العربية. ولا في ايران ترد على محاولات تطويقها بزعزعة استقرار المنطقة او بعض الدول فيها. لا مصلحة للعرب في ايران الخائفة. ولا مصلحة لهم في ايران المخيفة. مصلحة العرب الفعلية هي ان تكون ايران دولة كبيرة طبيعية مزدهرة تشكل جزءا من نسيج المنطقة وشريكا ناضجا في شؤون الاقليم. من حقها ان تكون صاحبة دور بارز لكن ليس من حقها انتزاع الزعامة بالقوة او عبر صفقة كبرى مع «الشيطان الاكبر». من خلال ما نقله روبرت غيتس وزير الدفاع الاميركي الى مصر والسعودية والبيان الذي اصدرته القمة التشاورية الخليجية وأقوال الرئيس محمود احمدي نجاد في دمشق يمكن القول إننا في خضم مرحلة انتقالية. واضح ان ادارة اوباما تقوم بجهد جدي لفتح قنوات الحوار مع طهران. وواضح ان طهران ستقطف بعض ثمار النجاحات والاختراقات التي حققتها لحظة اسقاط نظام صدام وبعدها. لكن الواضح ايضا هو ان احمدي نجاد يفرط في الشعور بالانتصار. انه يحاول القول إن مفتاح الشرق الاوسط بات في طهران. وإن بلاده مستعدة لمساعدة اميركا على مغادرة المنطقة بخسائر اقل. لكن المتابع لا يحتاج الى جهد لاستنتاج ان اميركا لا تستطيع الاستقالة من المنطقة ومصالحها فيها وان تعامل ايران كما لو انها الاتحاد السوفياتي الجديد. لا يحق للعرب الاعتراض على اي تطبيع للعلاقات الاميركية - الايرانية. فقيام علاقات طبيعية بين ايران من جهة واميركا والغرب من جهة اخرى سيطمئن ايران وسيلزمها بالعودة الى اللغة الدولية في السلوك والتخاطب. تجربة الغرب مع الاتحاد السوفياتي والصين مفيدة في هذا المجال. لكن من حق العرب ان يسارعوا للاستعداد للمرحلة الانتقالية التي بدأت. ترميم العلاقات العربية - العربية استنادا الى رؤية واقعية لمصالح العرب في الاقليم. ايقاظ الشعور العربي بوحدة المصالح. التحرك في اتجاه الدول الكبرى المؤثرة. الاصرار على الحضور في اي بحث في ترتيبات الامن والاستقرار في المنطقة. لا مصلحة للعرب في ايران تصدّر الثورة وتنام على وسادة نووية. ولا مصلحة لهم في ايران تنتزع صفة صاحبة الكلمة والاخيرة في الاقليم لقاء التخلي عن تصدير الثورة وحلم القنبلة. مصلحتهم في ايران مطمئنة ومستقرة. ايران جارة كبيرة وطبيعية.