تزامنت إقامة معرض ديترويت الدولي للسيارات (معرض أميركا الشمالية الدولي)، الذي اختتم في 25 كانون الثاني (يناير) الجاري، مع الانتعاش المبيعي القياسي الذي تشهده ثاني أكبر سوق للسيارات في العالم، إذ يرجّح أن تصل مبيعات العام الماضي إلى نحو 18 مليون سيارة، أي أكثر من مبيعات عام 2000 القياسية والبالغة 17.4 مليون وحدة. ويتوقع محللون ومراقبون استمرار «الفورة» المبيعية خلال السنة الحالية، في ضوء زيادة الطلب على السيارات الجديدة وانخفاض أسعار الوقود ومعدلات الفائدة، فضلاً عن انخفاض معدلات البطالة إلى أقصاها منذ عقود. وشهد المعرض إزاحة الستار رسمياً عن أكثر من 40 موديلاً تجارياً واختبارياً جديداً، مع انتشار نحو 750 سيارة زيّنت منصات عرض صانعيها على مساحة تقدر ب 735 ألف قدم مربعة، وهي مساحة العرض المخصصة في مركز «كوبو»، مع حضور إعلامي مكثّف يمثله أكثر من 5 آلاف صحافي من 40 ولاية أميركية و60 بلداً. نظّمت نسخة 2016 من معرض ديترويت، بعدما أُخضع لتجديد شامل هو الأكبر منذ خمسة أعوام، فضلاً عن انتقال العارضين إلى أماكن جديدة وإنفاق أكثر من 200 مليون دولار على أجنحتهم داخل مركز «كوبو» للمؤتمرات. وفي هذا السياق، نالت فيات كرايسلر أوتوموبيلز مساحة عرض أكبر لموديلاتها مقارنة بوجودها في الدورة السابقة، حيث عرضت أحدث موديلاتها على مساحة 60 ألف قدم مربعة، بزيادة مقدارها 8 آلاف قدم مربعة. أيضاً، ضُمّ الصانعون النخبويون مع بعضهم بعضاً في أجنحة متجاورة، ناهيك بإطلاق تطبيق جديد على الهواتف الذكية لإرشاد الزوار وتوجيههم خلال فترة زيارتهم. في المقابل، تغيّب صانعون عن المناسبة، إذ أعلن كل من تيسلا وميني وجاغوار ولاندروفر غيابها، معلنة أن موعد المعرض لا يتناسب مع توقيت تقديم عروضها الجديدة المخطط لإطلاقها، كما أنها تمنّعت حتى عن عرض موديلاتها الحالية لجمهور وزوار أميركا الشمالية، على عكس أستون مارتن التي شاركت للمرة الأولى منذ عام 2009. عام المينيفانات والسيدان النخبوية كلنا يتذكر دورة العام الماضي من معرض ديترويت التي شهدت عودة العروض العالية الأداء مثل فورد GT ذات ال600 حصان، وإطلاق السوبر- كار الهجينة أكيورا NSX. كما قدّم كل من كاديلاك وبي أم دبليو ومرسيدس- بنز وليكزس وبورشه عروضاً عالية الأداء. وشهدت دورة 2016 تحوّلاً جذرياً من خلال إطلاق عروض عدة للمينيفانات والسيدان النخبوية المميزة، أبرزها «باسيفيكا» التي تشكّل الجيل الأحدث من عروض كرايسلر تاون آند كانتري، وهي السيارة التي ابتكرها صانع ديترويت قبل 33 عاماً، مع تقديم نسخة هجينة مزوّدة بشاحن من الموديل عينه. كما كشف عن الجيل المحسّن بعمق من آودي A4 وفورد فيوجن وكيا فورتي ومرسيدس الفئة E، إلى جانب إطلاق عروض إنفينيتي Q50 ولينكولن كونتيننتال وفولفو S90، وغيرها من موديلات السيدان النخبوية التي زيّنت منصات عرض صانعيها. انخفاض أسعار الوقود وما لا شك فيه أن انخفاض أسعار الوقود عالمياً أضر بمبيعات السيارات الكهربائية وتلك الهجينة في السوق الأميركية، حيث انخفضت، على سبيل المثال لا الحصر، مبيعات موديل نيسان ليف الكهربائي بالكامل بنسبة 43 في المئة، وإن لم يمنع ذلك الصانعين من استكشاف قدراتهم الكامنة في تطوير عروض تعمل ببدائل الوقود التقليدي، لا سيما أنه يتوجّب عليهم الانصياع إلى المعايير الصارمة المتعلّقة بمعدلات استهلاك الوقود والانبعاثات الكربونية الضارة. وفي هذا الإطار، عرضت ليكزس سيارتها السيدان العاملة بخلايا الوقود LF-FC. كما أطلقت فورد نسخة هجينة مزودة بشاحن من موديلها السيدان فيوجن، في حين أزاحت جنرال موتورز الستار عن موديلها شفروليه بولت الكهربائي الذي يقطع مسافة 200 ميل أو 320 كلم قبل إعادة شحن بطاريته الكهربائية، على أن يطرح في الأسواق خلال عام 2017. أجندة مزدحمة يرى محللون ومراقبون أن هناك معرضين كبيرين للسيارات في كانون الثاني (يناير) من كل عام، معرض ديترويت التقليدي إلى جانب معرض إلكترونيات المستهلك CES في مدينة لاس فيغاس، علماً أن صانعين كثراً يتوقون بشدة إلى استعراض أحدث التقنيات والأنظمة الإلكترونية بعروضهم من السيارات، منها أنظمة القيادة الذاتية إلكترونيات لوحة القيادة. بل وقد يلجأون إلى إطلاق سيارات ونماذج اختبارية كاملة في معرض CES الذي تنعقد فاعلياته بالتزامن مع معرض ديترويت. وفي دورته الأخيرة، أزاحت جنرال موتورز الستار عن موديلها الكهربائي شفروليه بولت، بينما عرضت فولكسفاغن الميكروباص الكهربائي BUDD-e للمرة الأولى. وتعهّدت كيا في الوقت عينه إطلاق أول سيارة ذاتية القيادة لها بحلول عام 2030، بينما أعلن كل من فورد وبي أم دبليو عن تطبيقات متطورة تتيح للسائقين التحكّم بالأجهزة المنزلية، من خلال تقنيات الأوامر الصوتية. وقريباً، يرجّح أن تزداد أهمية معرض إلكترونيات المستهلك CES أكثر وأكثر، ما قد يشكّل مأزقاً لدى منظمي معرض ديترويت. من هنا المطالبة من المسؤولين والقائمين على تنظيم المناسبتين تغيير موعد إحداهما منعاً لتضارب المصالح ومواكبة لجدول أعمال الصانعين المزدحم.