تميزت الأعمال التي تضمنها المعرض التشكيلي، الذي نظّمته السفارة الللبنانية في الرياض أخيراً للفنان فارس ملاعب، بقدرتها على الإدهاش وإشعال الأسئلة حول تلك القدرة الفائقة في اقتراح ممكنات تشكيلية لعلها لم تخطر على بال، ومن هنا فلا غرابة أن يدخل ملاعب موسوعة غينيس عبر أعماله اللافتة. في الأعمال المعروضة وسواها، ينصب جل اهتمام ملاعب المعروف، عربياً وعالمياً، في معالجة الحرف العربي الملتزم بقواعده العربية، «ومثل هذه الأعمال تنتمي بتأكيد الأصالة بتعبيرات منهجية للخط العربي، لا شك في أن أعماله يكون لها رواج مميز في الأوساط الغربية، لأن الأسلوب الحروفي لاقى رواجاً لدى الغربيين كرؤية عربية معاصرة. ومن أهم ما تميز به هذا الفنان اهتمامه بنقش الأحجام الصغيرة كحبة القمح، وما هو أصغر منها بآيات قرآنية وأحاديث نبوية وأناشيد وطنية في منتهى الروعة والدقة، ما زاد من صيته واهتمام الناس بأعماله لما فيها من مهارة فائقة في تكويناتها وأدائها. فارس ملاعب وضع شروطاً وقواعد رئيسية للكتابات الدقيقة، ومنها أن تكون الكتابة – حفراً أو نقشاً – مكتوبة بيد الإنسان من دون الاستعانة بالآلات الميكانيكية أو الكهربائية أو الإلكترونية كالكومبيوتر وغيرها. على الكاتب نفسه أن يختار القلم أو الأداة التي يكتب أو يحفر أو يرسم بها، وأن يختار أو يصنع المادة التي يكتب أو يحفر أو يرسم عليها. إذا كانت الكتابة على حبة الرز أقل من ستين كلمة عربية أو ما يعادلها باللغات الأخرى، فلا تعتبر ذات قيمة معنوية، لأن مخترع هذه الهواية الأول (عز الدين جواد) كتب 59 كلمة عربية. لا تجوز الاستعانة بالمكبرات البصرية على اختلاف أحجامها للكتابة على حبوب الرز أو ما يعادل حجمها لمن هو دون سن الخمسين، أما النظارات الطبية فمسموح بها لجميع الأعمار، وتجوز الاستعانة بالمكبرات العادية – لا الإلكترونية أو الليزر – للكتابة على شعر الإنسان أو شعر الخيل والخيوط المعدنية. ويقول إن تقويم هذه الأعمال بالقيمة المادية، «مشكلة كبيرة واجهتني مراراً وتكراراً، وبعد أن فكرت جدياً في وضع حد أو حل لهذه المشكلة، أخذت أراجع من سبقوني إلى هذه الهواية، وكيف كانوا يصرّفون أعمالهم، وكيف كانوا يقبضون أثمانها! فوجدت أن أعمالهم كانت جميعاً – من دون استثناء – تذهب هبات وهدايا! وكلها أو معظمها للملوك والأمراء والحكام، وفي المقابل كان الحكام ينعمون على أصحابها إما بالأوسمة والألقاب، وإما بمكافأة مادية تعين الفنان على مواصلة عطائه، حتى صار لدى العامة من الناس امتناع عن طلب هذه الأعمال لاقتنائها كأشياء نادرة وفريدة». المعرض ضم أيضاً أعمالاً للفنان أجود أبو زكي، وبدت أقرب إلى الأعمال الديكورية، مع مسحة استشراقية. ولم تغب الرؤية الفنية الخلاقة عن بعض لوحات أبو زكي، من خلال تحويله الشخوص وملامح المكان إلى ما يشبه الأطياف والظلال ليفتح نافذة للتأويل.