أحيت إسرائيل أمس الذكرى السنوية الثانية والستين لاغتصاب فلسطين، وتأسيس الدولة الصهيونية، في احتفالات شعبية وعسكرية ورسمية أبرزت أساساً اعتداد اليهود بدولتهم وبإنجازاتها فيما كرر أركان الدولة العبرية بفخر، لا يخلو من الغرور، إنجازاتها في مجالات مختلفة وألقوا الخطب الحماسية التي تدور حول أمر جوهري واحد: «الحق التاريخي لليهود على هذه البلاد» في مقابل تجاهل تام للنكبة الفلسطينية عام 1948 ولحقيقة أن الدولة العبرية قامت على أنقاض القرى والمدن الفلسطينية من خلال قتل آلاف أبنائها وترحيل مئات الآلاف منهم. وساهم الإعلام الإسرائيلي في ترويج الرواية الصهيونية والإسرائيلية وتجذيرها في أذهان الجيل الشاب من الإسرائيليين في كل ما يتعلق بأحداث النكبة واصدر الملاحق الخاصة التي تمجد عمليات الترحيل في وقت يغيب الاسرائيليون الرواية الفلسطينية أو حتى محاولات «المؤرخين الجدد» شرح صورة قريبة أكثر من الواقع والتأكيد على أن ما حصل كان نتاج مشروع استعماري وأن الحرب عام 1948 كانت جزءاً من عمليات تطهير عرقي. وتصر وسائل الإعلام على تقديم عمليات القتل والتهجير التي اقترفتها العصابات الصهيونية المختلفة ثم الجيش الإسرائيلي في مئات القرى الفلسطينية «عمليات عسكرية جريئة وبطولات ما بعدها بطولات»، وتصبح هذه الروايات مسلمات تاريخية، تصبح «ذاكرة» الشعب اليهودي التي تحاول طمس «ذاكرة» الشعب الفلسطيني أو تشويهها. وتكرس الصحف الإسرائيلية صفحاتها الرئيسة ومختلف الملاحق ل «عيد الاستقلال»، مضموناً وشكلاً. وبين الملاحق ملحق خاص يعرّف الإسرائيليين بمواقع جغرافية وتاريخية ودينية مختلفة يحضهم على زيارتها «كونها جزءاً من الوطن». ويسيطر اللونان الأزرق والأبيض (لونا العلم الإسرائيلي) على عناوين الصفحات الأولى والملاحق. وحتى الإعلانات التجارية تتمحور حول المناسبة والرقم 62. وعرضت المصارف قروضاً بمبلغ 62 ألف شيكل واقترحت المحلات حسماً على بضائعها بنسبة 62 في المئة. وتدور الملاحق الفنية حول المناسبة ذاتها، وتذكّر بالأغاني التي كتبها أوائل الفنانين (وأنشد بعض كلماتها أركان الدولة العبرية، (بيريز ونتانياهو واشكينازي، في احتفالات أمس)، حتى أن الكلمات المتقاطعة تدور حول معلومات تتعلق بتاريخ إسرائيل وعمليات جيشها وإنجازات علمائها. كما وزعت الصحف مجاناً مئات آلاف الأعلام لقرائها المشتركين لتغطية شرفات منازلهم وأسطحها في تظاهرة «وحدة حال ومصير». وتسبق احتفالات «الاستقلال»، الذي يحل في الخامس من أيار العبري في كل عام، يوم كامل من الطقوس الرسمية لإحياء ذكرى الذين قتلوا في حروب إسرائيل ليس منذ إقامتها فحسب إنما منذ الهجرة اليهودية الأولى إلى فلسطين عام 1860 (بلغ عددهم نحو 23 ألفاً)... ويتم بث المراسم مباشرة عبر قنوات التلفزة كلها ليتماثل عموم الإسرائيليين مع العائلات. وتبدأ المراسم بدويّ صافرات إنذار تتوقف خلالها الحياة في إسرائيل لدقيقتين ويقف الإسرائيليون بصمت وخشوع إحياءً «للضحايا». وتغلق محلات الترفيه والمقاهي والمطاعم أبوابها، وتتوقف محطات التلفزة عن بث برامجها العادية وتتم قراءة أسماء القتلى على مدار ساعات. ثم تقام مراسم دينية في المقابر العسكرية المختلفة. ويشارك جميع أقطاب الدولة العبرية في إحياء المراسم وإلقاء كلمات تمجد قدرات الجيش «في الدفاع عن الوطن» ووجوب أن يواصل الشباب هذه المهمة إزاء «التهديدات المحدقة» بإسرائيل. ومع انتهاء «يوم الذكرى» تبدأ احتفالات «استقلال اسرائيل» بإضاءة المشاعل في «جبل هرتسل» في القدسالمحتلة. وتسبق الكلمات تلوها أناشيد دينية. ثم يتبارى اركان الدولة في تأكيد «الحق التاريخي» لليهود و «أعجوبتي الانبعاث من جديد والبناء»، و «الانجازات غير المسبوقة في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والطب والفن، التي تشكل مجتمعة دولة نفخر بها»، كما قال رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو أمس. ويحرص الخطباء على تأكيد «الإجماع الصهيوني» حول «القدس الموحدة عاصمة إسرائيل إلى الأبد». ويتخلل يوم الاحتفالات تسليم «جائزة إسرائيل» للمبدعين في المجالات المختلفة. وتقام مسابقة معلومات في «التوراة» وتفتح القواعد العسكرية والمتاحف أبوابها أمام عموم الإسرائيليين الذين يقضون بغالبيتهم اليوم في التجوال بين أحضان الطبيعة. كما تشارك طائرات وسفن في عروض احتفالية. ونشرت الحكومة الآلاف من رجال الشرطة والعسكريين في انحاء البلاد فيما فُرض اغلاق محكم على الضفة الغربية حتى منتصف ليل امس تحسباً من حصول هجمات.