وعت أن حياتها انتهت قبل أن تبدأ. استوعبت أن القدر اختارها لتكون ضحية تقاليد لا ناقة فيها ولا جمل. لم تجد خياراً آخر سوى الخضوع لأوامر والدها والاستسلام ل «عادات القبيلة» التي حكمت عليها بالارتباط بابن عمها المصاب بأحد أمراض الدم الوراثية (الأنيميا المنجلية). والدها لم يستمع إلى نصيحة المأذون وإسهاب الطبيب في شرح عواقب هذه الزيجة، وحجم المعاناة الصحية التي سيدفع ثمنها الأولاد لاحقاً، ضارباً صحة أحفاده في المستقبل بعرض الحائط، عبر إصراره التوقيع على عقد النكاح، غصباً عن إرادة ابنته. تروي مريم علي (20 عاماً) معاناتها، تقول: «للوهلة الأولى، توهمت أن والدي سيتنازل عن قراره بعد ظهور نتيجة التحاليل وعدم مطابقتها لزوجي، إلا أنه تزمت برأيه، وأخذته النخوة، وادعى الإيمان بالقضاء والقدر، فضلاً عن عدم مبالاة زوجي بنتائج الفحص». وصدق التوقع، وعان اثنان من أبناء مريم من الإصابة بالمرض ذاته الذي يعانيه والدهما، «ليقضيا معظم أوقاتهما يقاسيان مرارة آلام المفاصل وتآكل العظام المستمر على أسرّة المستشفيات، فضلاً عن معاناتهما من الأزمات المفاجئة التي تنتابهما نتيجة تكسر خلايا الدم». أما «زراعة النخاع العظمي» فظلت الأمنية الوحيدة التي يتمنى جاسم محمد تحقيقها لطفله حسين (11 عاماً) بعد أن أعياه المرض وأنهكت العقاقير جسده النحيل، يقول جاسم إن إصابة زوجتي بمرض «الثلاسيميا الكبرى» وحملي لجينات المرض ذاته، أسهما في انتقاله إلى فلذة كبدي ودفعه ضريبة هذا الارتباط بصرخاته المتقطعة وأنينه المستمر الذي ارتفع عندما تضاعف تضخم الطحال والكبد لديه. وأشار إلى أن اعتلال صحته وفقدانه الشهية وبروز عظام وجهه وتعرضه إلى جراحة نقل دم بشكل دوري كل أربعة أسابيع، اضطرني إلى البحث عن حل جذري يقضي على معاناته بعد أن أكد طبيبه المختص أن زراعة النخاع العظمي له ستنهي آلامه بنسبة 90 في المئة. ويتمنى جاسم لو عاد به الزمن إلى الوراء 11 عاماً، ليعيد قرار زواجه بامرأة مصابة ويستبدل ارتباطه بأخرى سوية طبياً حتى تقل احتمال نسبة إصابة الأطفال بالمرض رحمة ورأفة بهم. من جهة ثانية، تذرف أم عبدالله دموعها كلما نظرت إلى ألبوم صور ابنتها العروس هديل (19 عاماً)، مستذكرة أحداث زواج ابنتها عام 2006، وبريق الأمل والتفاؤل الذي كان يلمع في عيني ابنتها في ذلك اليوم المشؤوم، أي قبل وفاتها بسنة. تقول: «فرحت مثل أي أم لارتباط ابنتي وانتقالها إلى عش الزوجية واستقلالها بحياتها الخاصة، بل كان إنجاب الكثير من الأطفال هو أهم أمانيها، ولكن للأسف لم يمهلها مرض الأيدز الذي انتقل إليها عن طريق زوجها الكثير من الوقت لتحقيق أحلامها». وتساءلت: «ما ذنب ابنتي لتدفع ثمن خطيئة لم ترتكبها؟»، موضحة ان خوض زوج ابنتها في الكثير من العلاقات المحرمة وجهله بحقيقة مرضه وعدم اكتراثه بالكشف عن إصابته بالمرض من عدمه قبل زواجه أدى إلى وفاتها». وأبدت انزعاجها من تأخر إقرار الجهات المسؤولة «فحص ما قبل الزواج الإجباري» حتى عام 2008. من جهته، أوضح الدكتور العام في مستشفى الملك خالد مجدي محمد أن غالبية الأمراض الوراثية ليس لها «علاج نهائي»، بل إن إجراءات علاجها طويلة المدى وينتهي بوفاة المصاب، ويعمد على تناول الجرعات الدوائية وجراحات نقل الدم بصفة منتظمة مدى الحياة. وأكد أن مكافحة هذا النوع من الأمراض كفيل بتقليل نسبة الإصابة فيه وتقليص كلفة علاجه، كما شدد على ضرورة توعية المقبلين على الزواج بخطورة قرارهم وحقيقة المعاناة التي سيواجهها أبناؤهم في حال إصرارهم على الارتباط، على رغم عدم تطابق نتائج فحوصاتهم».