في العام 2000 اختتم المخرج اللبناني جان شمعون فيلمه «طيف المدينة» بمشهد وصول أمراء الحرب الأهلية إلى السلطة ومشاركتهم في اتخاذ قرارات حاسمة، وسيطرتهم على البلد، بعدما سيطروا على الأرواح. واليوم في أولى تجاربه الروائية الطويلة، يختتم أيضاً المخرج الشاب ميرجان بو شعيا فيلمه «فيلم كتير كبير» الذي بدأت عروضه في الصالات اللبنانية، بترشح مهرب مخدرات إلى منصب سياسي. نهايتان تعكسان واقع البلد، ما بين فساد سياسي وتحكّم أصحاب رؤوس الأموال في صنع القرار وتنفيذه. وعلى رغم بعض المشاكل التي يعاني منها الفيلم، ومنها عدم اتضاح الرؤية الإخراجية، وإطالة بعض المشاهد وتكرار بعض الأفكار، والمبالغة أحياناً في الكوميديا، يمكن القول إننا أمام تجربة أولى جيدة لأسباب عدّة، منها انسياب السيناريو وقدرة إقناعه وعدم ادعائه، والمواهب التمثيلية الشابة المشاركة في العمل. ثلاثة إخوة تدور أحداث الفيلم حول ثلاثة أشقاء يديرون مطعم بيتزا، ويتورطون في مشكلة مع أحدهم، ليطلق الأخ الأكبر النار عليه ويقتله، فيتفق الثلاثة أن الشقيق الأوسط هو من سيدخل السجن لخمس سنوات، على أن يُكمل الشقيق الأكبر مهامه في توزيع المخدرات من خلال العمل في الفرن، من دون موافقة الأخ الأصغر. تتدافع الأحداث سريعاً في الفيلم وتتوزع ما بين الإثارة والتشويق والكوميديا. ومن هفوات المخرج وكاتب السيناريو أيضاً، أنه لم يكمل بعض الأفكار التي بدأها، أو تركها معلقة أو مبهمة، كعودة زياد (الأخ الأكبر) من سورية مع كمية كبيرة من المخدرات، بعدما قتل معاونيه لاكتشافه نية أبوعلي (تاجر المخدرات الأكبر) تصفيته. ولدى خروج الأخ الأوسط من السجن، يوافق على الدخول مع أخيه في ما سماها «ضربة العمر»، والعمل على تصريف كمية كبيرة من حبوب الكابتاغون والمخدرات. ومن أجل ذلك يقرر زياد أن ينتج فيلماً سينمائياً، بعدما سمع بالصدفة عن شركة إيطالية كانت تصور فيلماً في لبنان إبان الحرب الأهلية، وهرّبت المخدرات بصفائح الأفلام. لا دراية لزياد بالسينما، لكنه يستخدمها وسيلة للوصول إلى المجد، وتصريف ما لديه من بضاعة. ومن خلال الفيلم الذي يُصوّر داخل الفيلم الأساس، يعمد المخرج إلى إيصال كل ما يجول في خاطره من أفكار عن لبنان، حول الفساد الأمني والسياسي، وانتشار المخدرات، والطائفية بوصفها المشكلة الأبرز، والفقر والبطالة وانتشار السلاح، والهفوات الإعلامية، وكيفية تعامل وسائل الإعلام مع الأحداث، والسينما ومشاكلها، والفرق ما بين السينما النخبوية والسينما الشعبية، والزواج المختلط. وقد تكون المشاهد التي دارت حول الطائفية من أفضل ما قُدّم في العمل. طرح المخرج عشرات الأفكار المعلقة، أو حاول الإضاءة عليها بفيلمه الصغير. أراد إظهار تناقضات المدينة وحروبها الصغيرة الدفينة، والتي تطفو إلى السطح مجدداً مع كل مشكلة طائفية. لا يبدو المخرج الشاب ميرجان بو شعيا مدعياً، هو فقط يحاول قول كل شيء في تجربته الأولى، وقد يكون ذلك بسبب الحماسة للبدايات، ويبدو واضحاً أنه أوجد انسجاماً كبيراً بين الممثلين الذين نجحوا في إيصال أفكاره. وهنا لا بد من الإشارة إلى القدرات التمثيلية الجيدة لكل من شارك في الفيلم، إذ تميز بالقدرة على الإقناع وعدم التصنع أو التكلف في أداء الأدوار، وغالبيتهم من الوجوه الجديدة. كما تميز الفيلم بانسياب الحوارات وواقعيتها. واستعمل المخرج لغة شبابية بسيطة وحوارات غالباً ما تدور على المقاهي بين الشباب، مبتعداً عن الابتذال أو الجهد في البحث عن مفردات جديدة. استقى المخرج مفرداته عموماً من الحي الشعبي الذي عاش فيه. واللافت في الفيلم، أنه انحصر في مناطق عشوائية أو مناطق فقيرة. لم تخرج الكاميرا إلى المراكز التجارية، أو ركزت على السيارات الفخمة، أو الملابس الأنيقة. تنقلت في حي فقير، وقدّمت بيروت كما هي بلا عمليات تجميل، أو ابتعاد عن الواقع. التوازن المفقود بيد أن من المشاكل الأساسية في الفيلم، أنه لم يخلق توازناً بين التشويق والكوميديا، فيبدأ العمل بمشهد مثير، لتسيطر بعدها مشاهد الكوميديا، وهنا استغل المخرج الوضع للتعليق بسخرية على أحداث البلد، والانتقاد بشكل خفي. ومن أبرز التعليقات الانتقادية الساخرة التي وردت في الفيلم، حين فجّر زياد موقع التصوير، لإيهام الناس أن ثمة من لا يريد اكتمال الفيلم (الذي يصوّر داخل الفيلم)، ويسعى إلى إجهاضه قبل ولادته، فيلجأ إلى الإعلام للحديث عن شخصيات تحارب صناعة السينما في لبنان، وتسعى إلى قتل هذا الفن الراقي. مشهد سوريالي بطله تاجر مخدرات، لكنه انتقاد لاذع، فمعروف عن بعض وسائل الإعلام في لبنان قلة موضوعيتها، أو عدم تأكدها من صحة أحداث قبل نشرها لتحقيق سبق صحافي. وفي النهاية يسجل للعمل توجيه تحية للمخرج السينمائي جورج نصر (1927) الذي كان أول لبناني شارك في مهرجان كان السينمائي عام 1957 بفيلم «إلى أين».