تستضيف أيام قرطاج السينمائية في دورتها السادسة والعشرين والتي انطلقت في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري قرابة 300 ضيف من مختلف أقطاب العالم احتفاء بالسينما العربية والإفريقية وذلك تحت شعار «نحاور، نحلم و نتقدم». استعدادات أمنية وتنظيمية صارمة ودقيقة، رافقت افتتاح أعرق مهرجان مختص في السينما الإفريقية والعربية ومختلف فعالياته المبرمجة كامل هذا الأسبوع، في شارع الحبيب بورقيبة حيث يقام جل العروض وتتمركز على مقربة منه غالبية دور العرض السينمائي. ورغم حادثة انفجار حافلة الأمن الرئاسي مساء الثلثاء على بعد 200 متر فقط من أكبر قاعات سينما تونس «الكوليزي» أثناء عرض فيلم «قدرات غير عادية» للمخرج داوود عبد السيد إلا أن الجمهور التونسي العاشق للسينما أثبت مجدداً «قدراته غير العادية» على مواجهة الإرهاب بحبه للفنون واستمراره في حضور عروض أفلام أيام قرطاج السينمائية وبأعداد كبيرة. عدوى الروح الإيجابية لهذا الجمهور انتقلت عدواها الى ضيوف تونس من سينمائيين ونشر عدد منهم فيديوات تضامنية ليلة الثلثاء تدعو التونسيين إلى «الاحتفال وحب الحياة ضد الظلاميين وجهلة الدين وأعداء الثقافة» ومن بين أصجاب الدعوة الفنانون والنجوم والنقاد داوود عبد السيد، خالد أبو النجا، عمرو يوسف، كندة علوش، نجلاء بدر، هنا شيحة وفتحي عبد الوهاب وأحمد شوقي ومصطفى الكيلاني. برمجة أيام قرطاج السينمائية في دورتها الحالية تتسم بثرائها وتنوعها مع الاهتمام بالبهرج والإخراج الفني للمهرجان، الذي صار موعده سنوياً كما يحتفي في العام المقبل (2016) بالذكرى الخمسين لتأسيسه. فيلم افتتاح الأيام كان «الشاة» ليارد زيليكي هو عمل سينمائي إفريقي بامتياز، حيث كان أول فيلم يمثل أثيوبيا رسمياً في مهرجان كان السينمائي وذلك ضمن قسم «نظرة خاصة» لعام 2015 وتعتبر برمجته في قرطاج السينمائي الأولى عربياً إفريقيا. يعكس فيلم «الشاة» قيم الحب والوفاء المرتبطة بالأرض من خلال مغامرة طفل في التاسعة من العمر «افرائيم» اليتيم الأم، والذي يرفض البقاء عند عمّه بعد أن غزا الجفاف موطنه على التلال البركانية لأثيوبيا، ويقرر العودة الى أرض مولده صحبة الشاة «شوني» التي كان قد تعلق بها ...حكاية بسيطة مفعمة بالمشاعر مجسدة في مشاهد سينمائية تحتفي بالطبيعة الأثيوبية وتبرز جمالها الطاغي...لعّلها تريح أرواح سكانها المتألمة والجائعة. «الزين إلي فيك» والمسابقة فيلم المغربي هشام عيوش «الزين الي فيك» (much loved) المثير للجدل عن عالم الدعارة في مدينة مراكش المغربية لم يبرمج ضمن عروض أيام قرطاج السينمائية فحسب كأول عرض في دولة عربية وإفريقية وإنمّا يتنافس كذلك على جوائز المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة... بيد أن هذا العمل لم يحظ باهتمام الجمهور التونسي لمضامينه أو للجدل المثار عليه فحسب وإنمّا لعلاقة مخرجه الوثيقة بالمهرجان التونسي. فنبيل عيوش «ابن أيام قرطاج السينمائية» وتحظى جل أعماله بالتتويجات من قبل لجان التحكيم أو الجمهور المتابع في غالبية مشاركاته ضمن مسابقات قرطاج السينمائي. السينما الجزائرية كذلك من العروض المنتظرة دوماً في قرطاج وحضر الجمهور بكثافته المعهودة لمشاهدة «مدام كوراج» لمرزاق علواش و»البئر» للطفي بوشوشي فيما تحصد الأفلام التونسية دوماً الأرقام القياسية في نسب المشاهدة بخاصة أن الجمهور لا يتمكن من مشاهدة الإنتاجات المحلية إلا في هذه المناسبة الفنية بسبب ضعف الإنتاج السينمائي في تونس. وتشارك تونس في مسابقات هذه الدورة وعروضها الموازية بعدد مهم من الأعمال مقارنة بالدورات السابقة وهي «على حلة عيني» لليلى بوزيد و»قصر الدهشة» لمختار العجيمي و»شبابك الجنة» لفارس نعناع و»خسوف» لفاضل الجزيري في خانة الأفلام الطويلة. وفي قسم الروائي القصير يحضر كل من «القناص» لكمال عريض و»تزوج روميو جوليت» لهند بوجمعة و»شتات» لعلاء الدين أبوطالب. نجوم السجاد الأحمر يتحدثون عدد من نجوم أيام قرطاج السينمائية في دورتها السادسة والعشرين تحدثوا إلى «الحياة» عن فعاليات المهرجان وفي هذا السياق عبّرت الفنانة اللبنانية كارمن لبس عن سعادتها بالعودة مجدداً ل «تونس السينما» فبعد أن عايشت حب التونسيين للمسرح، تشاركهم اليوم عشقهم للسينما من خلال حضورها لعدد كبير من الأفلام أبرزها «مدام كوراج «لمرزاق علواش» و»الزين الي فيك» لصديقها المخرج نبيل عيوش والذي سبق أن جسدت بطولة أحد أعماله السينمائية. وأضافت كارمن لبس أن قرطاج السينمائي فرصة ثمينة لمتابعة أبرز التجارب العربية والإفريقية المستقلة مشددة على أنها تعتبر سينما المغرب العربي أكثر السينمات العاكسة لواقع شعوبها والقريبة من مشاغلهم وهمومهم واعتمادها على مستوى تقني عالٍ. ولم تفوّت الفنانة السورية كندة علوش حضور الأفلام المبرمجة خصوصاً العمل السوري الوثائقي «ملكات سوريا» لياسمين فضة المتنافس على «تانيت» الوثائقيات. وعن هذا العمل قالت كندة علوش ل «الحياة» :» فيلم «ملكات سوريا» عمل رائع وذكي وحساس جداً سعدت بمشاهدته وقد انطلقت مخرجته من ورشة اشتغلت خلالها على قصص لاجئات سوريات لتقديم عمل مسرحي من قلب الوجع السوري في مقاربة بين مسرحيات إغريقية وبين ما عايشته اللاجئات السوريات». وأكدت الممثلة السورية في التصريح ذاته انبهارها بكثافة الحضور التونسي لمواكبة العروض السينمائية ومدى ثقافته الفنية واهتمامه بالفنون وذلك في أول زيارة لها لتونس. الانتصار للروح الإفريقية أيام قرطاج السينمائية التي تتواصل إلى 28 تشرين الثاني الجاري لن تكتفي بعرض أحدث الأفلام العربية والإفريقية ضمن مسابقاتها بل تقترح على محبي السينما العالمية عروضاً سينمائية موازية من إيطاليا والأرجنتين إلى جانب عدد من الأفلام التي عرضت مؤخراً في عدد من المهرجانات العالمية أبرزها مهرجانا «كان» و«برلين» السينمائيان. وفي خانة الندوات تكتفي الدورة السادسة والعشرين ل «قرطاج السينمائي» بندوة كبرى بعنوان «الأدب والسينما بين التناص وتقاطع الرؤى» بإشراف الناقد والباحث التونسي عبد الكريم قابوس وحضور عدد من نخبة السينما الدولية منهم فرانسوا جوست وبابا ديوب وأحمد البجاوي ومصطفى بيومي. ومن ناحية أخرى، يكرّم قرطاج السينمائي سيدة الشاشة العربية الراحلة فاتن حمامة - التي سبق أن ترأست لجنة تحكيم دورة عام 1978 من المهرجان التونسي - مع عدد من «نساء السينما المصرية» الراحلات حديثاً مثل مريم فخر الدين ومعالي زايد والسينمائية أسماء البكري، التي بدأت مساعدةً ليوسف شاهين وهي من أبرز المدافعات عن السينما البديلة إلى جانب المخرجة والمناضلة في مجال حقوق المرأة الراحلة بدورها نبيهة لطفي. وتكرّم أيام قرطاج السينمائية كذلك المخرج النوري بوزيد، صاحب العدد الأكبر من الإنتاجات والتتويجات في السينما التونسية، والحبيب المسروقي صاحب موهبته الفذة في مجال الإضاءة والتصوير الذي رحل شاباً وهو في بداية تجربته المسرحية والسينمائية. والكاتبة والسينمائية الجزائرية الراحلة آسيا جبار مخرجة «نوبة نساء جبل شنوة»، الحائز تقدير لجنة تحكيم مهرجان البندقية عام 1979. فيما يحظى السينمائي البرتغالي الراحل عام 2014 مانويل دي أوليفييرا، صاحب السعفة الذهبية عن كامل أعماله في كان السينمائي عام 2008، بتكريم خاص ضمن هذه القائمة من الفنانين والفنانات. وفي مبادرة من الإدراة الجديدة لأيام قرطاج السينمائية، تعكس رغبتها في الحفاظ على الجذور المؤسسة للمهرجان التونسي في بعده الإفريقي العربي - برزت كذلك في المعلقة الرسمية للتظاهرة - تعرض البرمجة كل الأفلام المتوجة ب «جواد واغادوغو»، التوأم البوركيني لقرطاج. وفي هذا السياق أوضح مدير الدورة السادسة والعشرين لأيام قرطاج السينمائية إبراهيم لطيف ل «الحياة» أن أهداف المهرجان وهو على أبواب الخمسينية ترتكز على دعم حرية الإبداع ومحاربة الظلامية والجهل والتأكيد على أهمية أيام قرطاج السينمائية في الدفاع عن السينما البديلة والمستقلة إفريقياً وعربياً. وشدد محدثنا على ضرورة الاهتمام أكثر بالبنية التحتية لدور السينما حتى تكون تونس بحق عاصمة للثقافة السينمائية الإفريقية واحتراماً لذائقة جمهورها الذي ورغم التهديدات الإرهابية لم يتراجع عن دعم المهرجان والحضور بكثافة لمواكبة العروض المبرمجة على بعد أمتار قليلة من آخر عملية إرهابية تعرضت لها تونس.