وجوه كثيرة ساخرة بمراياها المقعرة والمحدبة وما تعكسه من داخل مجتمعات مصدرة للأمراض مقتاتة على الأزمات، ملامح كاريكاتورية ناقدة تعكس ما في العقول من آراء وأفكار وتردٍ، وما في أنفس الكثيرين من ليل طويل مليء بنظريات عقيمة وأطروحات فلسفية وآراء سياسية أشد مرارة وفتكاً، ظهرت بقوة في ملتقى صالون الإسكندرية الرابع للكاريكاتور من خلال 50 عملاً ساخراً حملت تواقيع فنانين من مختلف الاتجاهات الفكرية، من أقصى اليمين المتشدد حتى أقصى اليسار المنفتح، لتطرح تساؤلات كثيرة. عكست اللوحات بقسوة واقع مجتمعاتنا العربية وما آلت إليه من تعاقب الفصول العربية من ربيع شكلي حلم به كثر إلى خريف ترددي انتقالي وصيف عاصف قلب الأمور رأساً على عقب، وصولاً إلى شتاء طويل قد تكون نهايته بعيدة جداً. ومن ربيع الشتاء العربي حتى مشكلات المجتمع المصري من فساد ورشى انتخابية وأخرى نفعية إلى بطالة وفقر وسوء خدمات وصولاً إلى المجتمعات العربية والإرهاب، إضافة إلى قضايا اللاجئين ومعاناتهم التي طرحها المشاركون بجرأة ليمارسوا حالة فريدة من التحرر من قيود المنطق وأغلال الوعي ونمطية التفكير. وكان اللافت كثرة اللوحات الساخرة من قرب انتهاء الاستحقاق الانتخابي الثالث في مصر، إذ تناول عدد غير قليل من الفنانين بسخرية موضوع الرشى الانتخابية وعودة نظام حسني مبارك ورجال الأعمال إلى البرلمان المقبل، كما سخروا من الواقع الإعلامي وطريقة تعامله السطحية أو المؤامراتية مع القضايا المهمة. واستطاع عدد من المشاركين الانفلات من هذا الانغلاق لينتجوا أعمالاً طرحت قضايا الذات والحياة وخصوصية الثقافة. ومن اللوحات التي حازت إعجاب كثر اللوحة التي تظهر فيها أسرة سورية كاملة في هجرة غير شرعية تسير طواعية لتركب قارب الموت (عبارة عن تابوت) غير آبهة به، علّها تجد الحياة بعد الموت. ويقول القيّم على الصالون الدكتور محمد عبدالسلام ل«الحياة»: «سعى منظمو الصالون هذا العام إلى تمثيل أجيال الكاريكاتور واتجاهاته المتغيرة بأطروحاتها الفكرية والفلسفية والسياسية»، لافتاً إلى أن دورة هذا العام تعزف على تيمة «الصندوق» بغية الخروج من حيز الشكل إلى ملاحقة المعنى عبر حوار الألوان الساخر في تقاطعاته التعبيرية الباذخة الصخب والجاذبة للابتسامة. وأكد أن الأعمال التي استضافها الصالون تميّزت بعمق الخطاب النقدي وعفوية الرؤية المجردة الرافضة لكل ما هو تقليدي ومعتاد. وأضاف عبدالسلام: «في الوقت الذي يُنظر إلى الكاريكاتور على أنه وسيلة للسخرية والإضحاك، فالحقيقة أنه وسيلة للنقد اللاذع والسخرية من الأوضاع في شكل عام سواء كانت محلية أم عالمية. ويقول مصطفى علي أحد المشاركين: «الكاريكاتور فن نقدي بالأساس، نقد النفس هو مفتاح التطور والانفتاح على الآخر، لكن لا يوجد كثير من المثقفين والنخب لديهم المقدرة على تقبل النقد. أليس غريباً ألا يكون بيننا مثقف ما خارج حدود الصندوق النمطي لتقبل الآخر»، لافتاً إلى أن مشاركته في الصالون حملت كثيراً من المعاني الإيجابية.