اتجه المواطن في الفترة الأخيرة إلى التعبير عن آرائه الخاصة وعن مطالبه وأحلامه وتطلعاته باستخدام أسلوب النكتة والسخرية أو الرسم المُضحك، الذي يعكس مدى رغبة أفراد المجتمع بأن يكونوا موجودين بأصواتهم حتى ولو بشكل فكاهي، وهو ما يُساهم في نقل الفكرة إلى الجميع. ولم تنحصر تلك المطالبات والرغبات أو حتى أسلوب الاستهجان والرفض في بعض القرارات الحكومية أو المطالبات الحقوقية، بل تعمق نحو تفاصيل الحياة اليومية، حيث أصبحت تنتقد الزوجة التي تحلم بالرومانسية من رجل لا يحسن ترتيب الكلام "المنمق"، أو السخرية من "نظام ساهر" الذي يجد فيه الشباب وسيلة للضحك على نفسه التي لا تحسن احترام قواعد المرور إلاّ بالحزم، حتى وصل الأمر إلى استخدام الأسلوب الساخر في نقد المجتمع نفسه، فهو من يسخر وهو من يضحك، كالضحك على مجتمع لا يشبع من الإجازات، ويحلم بأن يعطى زيادة في الرواتب!. ساهم تويتر في استخدام أسلوب النكتة والطرح المباشر أسلوب أصبح مشاعاً ومستخدماً في الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي، حتى تحول مع مرور الوقت إلى الأكثر تشويقاً ومتعة، ليس فقط لدى عامة الناس، بل حتى لدى النخبة، فالجميع يرغب أن يكتب ويقرأ الاعتراض أو الرفض بأسلوب السخرية والنكتة، حتى ولو كان الانتقاد غير مُنصف، فلماذا أصبحت هناك رغبة جماعية للضحك والسخرية؟، هل هي رغبة بالتخفيف من حدة ضغوطات الحياة ومآسيها التي أصبحت فيها الأخبار السياسية وصعوبة تكاليف المعيشة تقلل من فرص الشعور بالراحة في الحياة، فيهرب منها المجتمع بالضحك على أحلامه؟، أم هي حالة تكشف وتقيس مدى قدرة الشعوب العربية على صناعة الضحك بخفة، حتى وإن كان في الحقيقة وسيلة تعبيرية عن الرغبات والمطالب التي تشكل مفصل حقيقي في حياتها؟. يتميز التعبير الساخر بأنه سهل الوصول والتأثير ضغوط نفسية وقال "د.محمد بن مترك القحطاني" -عضو هيئة التدريس في قسم علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: إن الضغوط النفسية أو الاجتماعية أو المادية التي يُعاني منها الفرد تدفعه إلى القيام بالتنفيس عنها، مضيفاً أن التنفيس عن هذه الضغوط يأخذ أشكالاً متعددة، ومن هذه الأشكال هي السخرية، سواء كانت على شكل النكتة أو رسم "الكاريكاتير"..إلخ، فمثلاً قد تجد الفرد الذي لديه ضغوطا مادية يسرد في بعض الأحيان النكت أو التعليقات المضحكة حول الدخل المادي أو الحالة الاقتصادية بشكل عام، مبيناً أنه يمكن أن تقيس على ذلك باقي الضغوطات المختلفة، مشيراً إلى أن هناك شريحة من المجتمع تستخدم "الكوميديا" وخفة الظل في التعبير عن الفرح أو السرور أو الحزن ..إلخ، ذاكراً أنه تُعد بعض القضايا المرتبطة بشكل مُباشر بأفراد المجتمع مثل غلاء المعيشة ونسبة البطالة وصعوبة إيجاد السكن وتأخُر الزواج وارتفاع نسبة الأسعار جميعها لها دور في ظهور وانتشار السخرية والنكتة بشكل عام. مواقع التواصل وأوضح "د.القحطاني" أنه ساهمت برامج ومواقع التواصل الاجتماعي مثل "الفيس بوك" و"تويتر" و"الواتس آب" في سرعة انتقال وانتشار السخرية، فأصبحت النكتة تنتشر بشكل سريع، خاصةً إذا كانت تتعلق بأمر يَهتم به أفراد المجتمع، مضيفاً أن النكتة أو روح الفكاهة بشكل عام لا بأس بها، لكن المشكلة تكمن إذا أصبحت النكتة عبارة عن سخرية أو استهزاء أو انتقادا لشخص آخر أو لجهة معينة، هنا تصبح سلبية ولها مساوئ كثيرة، مبيناً أن منها ما قد يُؤدي إلى تكوين "Negative Stereotype" أي صورة نمطية سلبية عن الشخص الآخر، فمثلاً عندما يسخر الفرد من مجتمع معين، فإن تكرار عرض هذه السخرية سيشكل انطباعا سلبيا عن ذلك المجتمع، لافتاً إلى أن كثرة الإحباط والفشل والشعور باليأس قد يؤدي إلى أن يسخر الفرد من الآخرين أو من المجتمع بأكمله، وعندما يشعر الفرد بالنقص الزائد فإنه قد يسعى إلى تعويض ذلك النقص بالاستهزاء من الآخرين لتعويض النقص. أثر سلبي وأشار "د.القحطاني" إلى أن مصادر السخرية كثيرة منها وسائل الإعلام، سواء كانت المرئية أو المسموعة أو الانترنت، وقد يتعلم الفرد السخرية من البيئة التي يعيش فيها سواء كانت الأسرة أو جماعة الأقران أو الرفاق..إلخ، فمثلاً عندما يُشاهد الطفل أخيه الأكبر يَسخر من أخته فإنه في الغالب قد يَتعلم مثل هذا السلوك ويبدأ بالسخرية والاستهزاء من الآخرين عندما يَكبر، مضيفاً أن السخرية أو الاستهزاء لها أثر سلبي على الصغار والكبار، لكن تأثيرها على الأطفال أشد؛ لأن الطفل مازالت شخصيته في طور النمو لم تكتمل بعد، فقد تؤثر عليه لدرجة أنه قد يكره المدرسة أو الأسرة أو الآخرين، وقد تؤدي به إلى الإصابة بالاكتئاب، مبيناً أن السخرية أو الاستهزاء لها أثر سلبي على الذكور والإناث، لكن تأثيرها على الإناث قد يكون أقوى، خاصةً إذا كانت تتعلق بالشكل أو اللون أو اللباس أو المظهر الخارجي، والسبب في ذلك يعود إلى أن المرأة بطبيعتها عاطفية -حساسة- تهتم بمظهرها الخارجي وبأدق التفاصيل، وبالتالي فقد تؤثر عليها السخرية نفسياً وانفعالياً، خاصةً عند تكرارها. سلوك مستقبلي وأكد "د.القحطاني" على أن السخرية إذا تكررت بشكل كبير قد تؤدي إلى "Self Concept" Negative"، بمعنى أن الفرد سيصبح لديه فكرة سلبية عن نفسه بسبب كثرة السخرية منه، وبالتالي يسلك إتجاه سلبي وفقاً لمفهومه عن نفسه، مُحذراً من خطورة السخرية والاستهزاء، إذ يجب عدم تناقلها بين أفراد المجتمع وذلك لأثرها السلبي، مُشدداً على الوالدين والمربين والمعلمين والمعلمات عدم مناداة الابن أو البنت بألقاب يكرهونها؛ لأنها ستؤثر على نفسيتهم، وبالتالي ستؤثر سلباً على نمو شخصيتهم وعلى سلوكهم في المستقبل، مطالباً من الأسرة ووسائل الإعلام والمجتمع بمختلف مؤسساته زيادة دافعية الأفراد وتعزيز إمكاناتهم وقدراتهم، وكذلك غرس القيم الدينية الصحيحة فيهم، داعياً إلى دراسة هذه الظاهرة السخرية بشكل علمي على أيدي أناس متخصصين، ووضع الحلول العملية للحد منها والسيطرة عليها. أسلوب مباشر وتحدث "د.نصار العتيبي" -الأخصائي الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية والإدارة العامة للتنمية الاجتماعية- قائلاً: إن استخدام أسلوب السخرية والنكتة في تناول القضايا الاجتماعية هي ثقافة تربى عليها أغلب أفراد المجتمع، فلو تتبعنا موروثنا الثقافي الشعبي والعربي على حد سواء لوجدنا أن النكتة أو الطرافة موجودة، مضيفاً أنها طرحت واختزلت في موروثنا جل القضايا سواء أكانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية في أدبياتنا العربية، مبيناً أنه عندما ننظر للثقافات الأخرى نجد هذا الأسلوب موجود في يومياتهم وحياتهم العامة بشكل واضح، مشيراً إلى أنه مع تطور "التكنولوجيا"، وبالذات عند استخدامات مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح الشخص يميل إلى استخدام الأسلوب المباشر في الطرح اختصاراً للوقت، ذاكراً أن استخدام النكت ورسم "الكاريكاتير" تفوق على الاختصار في الطرح، فأصبحت القضية تطرح بأبعادها وجوهرها بشكل واضح وسهل ومرح يجيد تناوله الجميع، ومثل هذا جيد كونه يتميز ب"الديمومة" وسرعة الانتشار. قوة إنتشار وأوضح "د.العتيبي" أن استخدام بعض أساليب السخرية والنكت في الصحف والمجلات وأغلب القنوات الفضائية ماهو إلاّ دليل على قوة انتشارها بسهولة، نظراً إلى وصولها للمتلقي بعد أن كانت حبيسة المجالس الخاصة، مؤكداً على أن مثل هذا الأسلوب في طرح قضية والحلول عبر هذا الأسلوب الساخر جيد وله محامده، شريطة أن لا يمس احترام الأشخاص وألوانهم وكرامتهم وحتى ثقافتهم، ذاكراً أن مثل هذا الأسلوب في استخدام النكتة أو الرسم الكاريكاتير هو طريقة جيدة تساهم في توعية وتثقيف المجتمع تجاه قضية ما، مع التقيد بالأخلاق العامة واحترام قيم المجتمع بشكل عام، مشيراً إلى أن الاعتراف بهذا الأسلوب ليس دائماً مناسباً مع جميع القضايا، مبيناً أنه عندما يستخدم العديد من الأشخاص أسلوب النكتة والرسم الساخر تجاه قضية، فهو حتماً يجد فيها رسالة تختصر عليه المسافات. وأضاف أننا حينما نتبادل مثل هذه الرسوم أو النكت فنحن لا ننفس عن أنفسنا فقط، بل ننمي لدينا قناعات تجاه أمر محدد وبأسلوب محبب قد لا نتناوله بتلك الطريقة سوى في مجالسنا الخاصة، أو عبر مواقع التواصل مع أصدقائنا. سهل الوصول وأشار "د.صالح العقيل" -مختص بالجانب الاجتماعي- إلى أن اختيار الشارع لأسلوب النكتة والسخرية لتناول قضايا الشارع أو طرح مقترح من المقترحات مبني على اعتباره بأنه الأسلوب الأسهل في الوصول، فهناك أساليب كثيرة في طرح القضايا المتعلقة بالمجتمع، كما أن هناك من يكتب بالأسلوب العلمي أو الخدمي أو الاجتماعي، وهناك من يكتب بالأسلوب الرسمي، إلاّ أن الخطاب الساخر كثيراً ما يتصف بأنه سهل الوصول، وهو الذي يُشكّل ثقلاً على المسؤول في ضرورة علاج هذه المشكلات الاجتماعية، مضيفاً أن هناك الكثير من البرامج التلفزيونية أصبحت تعتمد في تناول مواضيعها بأسلوب ساخر ونجحت جداً في الوصول للجمهور، مؤكداً على أنه كلما تحرر الخطاب من الصبغة الرسمية واتجه إلى الأسلوب الساخر فإن سهولة وصوله وتأثيره أكثر وأقوى، لافتاً إلى أن اختيار الناس لهذا الأسلوب هو اختيار مبني على تحقيق منفعة، كما أن هذا الأسلوب يمارس تحت مظلة غير رسمية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. صبغة رسمية وأوضح "د.العقيل" أنه على سبيل المثال حينما نرغب في طرح موضوع أو مشكلة اجتماعية فإننا في مواقع التواصل الاجتماعي لا نحتاج إلى الإجراءات الرسمية التي توجد في الصحف أو في بعض القنوات الفضائية، فقط يحتاج إلى الكتابة بأي شكل وإرفاق صورة، مضيفاً أن استخدام الأسلوب الساخر والنكتة في عرض نقد لبعض المشاكل الاجتماعية أو بعض القرارات الحكومية هو أسلوب إيجابي؛ لأنه يعكس آراء فئة من الناس، وبالتالي هو إيجابي لأنه يتحدث عن رأي الآخرين، لكن الجانب السلبي يكمن في أن هذا الطرف يقف عند حدود المتلقي، متمنياً أن يتم إعادة هذا الطرح الساخر إلى صبغة رسمية حتى يوضع في محل الاهتمام والبحث عن علاج للمشكلة، مشيراً إلى أن محاولة التخلص من هذا الأسلوب فيه من السلبية الكثير؛ لأنه من الصعب أن نتخلص من تعليق وتعبير المجتمع عن رأيه، مؤكداً على أن المقال الساخر أو الصورة الساخرة له تأثير في إبراز قضية أو رأي، لكنها تحتاج لوقت حتى تصاغ هذه الآثار لأخذ قرار بصددها.