عادت إلى الأذهان بدايات الانتفاضة الثانية التي اندلعت من القدسالمحتلة قبل نحو عقد، مع اتساع نطاق المواجهات في الأحياء العربية في المدينة ومناطق من الضفة الغربية أمس، بين قوات الاحتلال ومئات الفلسطينيين الذين خرجوا في تظاهرات للاحتجاج على الإجراءات الاستيطانية في القدس وبناء «كنيس الخراب» اليهودي على ارض أوقاف إسلامية في محيط المسجد الأقصى. وأدت المواجهات التي وقع أعنفها في محيط الأقصى وامتدت إلى مختلف أحياء القدسالشرقية، خصوصاً مخيم شعفاط وحيي العيسوية ووادي الجوز، إلى جرح نحو 40 فلسطينياً واعتقال أكثر من 60 آخرين قالت الشرطة الإسرائيلية إنهم رشقوا عناصرها بالحجارة. وأطلقت قوات الاحتلال التي انتشر ثلاثة آلاف من عناصرها، الغاز المسيل للدموع والأعيرة المطاطية والرصاص الحي على مئات من رماة الحجارة. واندلعت مواجهات واسعة في محيط معبر قلنديا الفاصل بين مدينة رام الله وبقية أجزاء الضفة. وأطلق جنود الاحتلال الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع على عشرات الفتية الذين رشقوهم بالحجارة. وأصيب خمسة شبان برصاص حي. وشهدت مناطق عدة أخرى في الضفة مواجهات مماثلة منها منطقة حاجز عطارة العسكري شمال رام الله، وشارع القدس في جنوب نابلس. ونظمت القوى السياسية والفصائل مسيرة احتجاج في رام الله شارك فيها عدد من الناشطين والسياسيين. وفي حين استبعدت السلطة تحول هذه الهبة الشعبية إلى انتفاضة ثالثة، توعدت حركة «حماس» برد «مؤلم» على الإجراءات الإسرائيلية. وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إن «المسائل على الأرض لم تعد تحتمل. هناك وضع متفجر. وهناك سياسات بنيامين نتانياهو التي أصبحت بمثابة صب الزيت على النار». وأضاف أن «الموقف شديد الخطورة في القدس، وإن انفجر ستتحمل الحكومة الإسرائيلية وحدها تبعات نتائج ذلك، لذلك لا بد من إلزامها بالكف عن هذه الممارسات العبثية الاستفزازية وفرض الحقائق على الأرض، خصوصاً في ما يتعلق بالحرم القدسي الشريف والقدس ومحيطها». وتوجه عريقات أمس إلى موسكو موفداً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس للقاء ممثلي اللجنة الرباعية وتسليمهم رسائل منه قبل اجتماعهم «مرفقة بخرائط ووثائق عن مجمل التخريب الإسرائيلي لعملية السلام وبخاصة النشاطات الاستيطانية التي لم تتوقف عنها حكومة نتانياهو منذ بدأ المبعوث الأميركي لعملية السلام جورج ميتشل مهمته العام الماضي». وتوعدت فصائل وقيادات فلسطينية إسرائيل بردود مؤلمة على ما يجري في القدس، فيما خرج عشرات الآلاف أمس إلى الشوارع في الأراضي الفلسطينية ومخيمات اللجوء خارجها، خصوصاً في لبنان، في تظاهرات للتنديد بإجراءات الاحتلال. وقال رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية إن «ما يجري الآن يكشف حقيقة الصراع مع المحتل الصهيوني، ويرسم مستقبل القدسالمحتلة... لا تتخوفوا من حرب يسمونها دينية أو غير دينية، القدس إسلامية مرتبطة بعقيدتنا ونحن نتحرك من هذا المنطلق العقائدي والشرعي قبل المنطلق الوطني والإنساني». وكان لافتاً أمس تخفيف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من لهجتها إزاء الإجراءات الإسرائيلية في القدس، في ما بدا محاولة لاحتواء الأزمة مع إسرائيل، إذ أكدت «التزاماً (أميركياً) مطلقاً بأمن إسرائيل، وأن هناك رباطاً وثيقاً لا انفصام له بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل». وأكد الناطق باسم البيت الابيض روبرت غيبس الموقف نفسه في تصريحات لاحقة. واعتبرت كلينتون أن الهدف الآن هو «التأكد من الالتزام الكامل من شركائنا الفلسطينيين والإسرائيليين» بالسلام. وحذرت من أن التخلي عن المفاوضات غير المباشرة يحمل «الكثير من المخاطر» للجانبين، مشيرة إلى أن واشنطن تخوض «استشارات فاعلة جداً مع الإسرائيليين حول الخطوات التي نراها مطلوبة لإظهار الالتزام بعملية السلام». وتأتي تصريحات كلينتون التي بدا أنها تجاوزت موضوع الاستيطان في القدس، بعدما أرجأ المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل جولته التي كانت مقررة أمس إلى المنطقة، واعلنت واشنطن انه لن يلتقي المسؤولين الاسرائيليين او الفلسطينيين قبل اجتماع اللجنة الرباعية الخاصة بالشرق الاوسط في موسكو غدا الخميس. لكن أوساطاً إسرائيلية عزت إرجاء ميتشل زيارته، إلى عدم تلقي الأميركيين رداً من نتانياهو على المطالب التي طرحتها كلينتون في «مكالمة التوبيخ» معه الجمعة الماضي، وفي مقدمها إعلان وقف الاستيطان في القدس وأن تتناول المفاوضات غير المباشرة مع الفلسطينيين القضايا الجوهرية. وتواصلت أمس الدعوات الدولية إلى التهدئة، إذ دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى الهدوء وضبط النفس في القدس. وذكر بأن «وضع القدس هو موضوع للمفاوضات النهائية»، وبأن «المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية من وجهة نظر القانون الدولي»، كما طالبت فرنسا إسرائيل بالعدول عن أي قرار يعرقل معاودة التفاوض، مؤكدة عدم شرعية الاستيطان. في غضون ذلك، حذرت الجامعة العربية من خطورة التطورات في القدس، معتبرة أن «هذه المواجهات هي تعبير عن الغضب الفسطيني وبداية انتفاضة جديدة». وقال الأمين العام المساعد للجامعة محمد صبيح: «كنا نتوقع حدوث هذا وحذرنا إسرائيل من السياسة العمياء التي تقوم بها من أجل تهويد القدس». وتوقع «أن يمتد الانفجار الكبير الذي حدث في القدس لأكثر من مكان في الأراضي الفلسطينية والدول العربية».