ما كان يتوقعه المرء من مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة هو موقف عربي متشدد إزاء الشروط الإسرائيلية المذلة لاستئناف التفاوض على عملية السلام، ومواصلة إسرائيل، في ظل مسايرة أميركية كاملة، إجراءاتها لتهويد القدسالشرقية وطرد الفلسطينيين من منازلهم، وتصعيد بناء المستوطنات، بدلاً من الموافقة على تغطية الاقتراح الأميركي بدء مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، ولمدة 4 أشهر. فالتراجع الأميركي المهين عن التزام الرئيس باراك أوباما وقف بناء المستوطنات، الى التحفظ عنها، الى تجميدها لأشهر، شكّل وحده دافعاً لإسرائيل كي تكثف الاستيطان وتوجد واقعاً جديداً يحول دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي لا يبدو في الأفق ما يشير الى أنها يمكن أن ترى النور في المدى المنظور. وهذا التراجع الأميركي أطلق يد إسرائيل مجدداً، سياسياً وأمنياً في الأراضي الفلسطينية، وجعل من اقتراحات الموفد الرئاسي الأميركي جورج ميتشل حول المفاوضات ملهاة مضحكة مبكية، لا أكثر، تحت عنوان أن هذا أقصى ما تستطيعه إدارة أوباما مع إسرائيل وإزاء اللوبي الإسرائيلي في واشنطن. وإذا كان السؤال الذي يطرح هو ماذا تستطيع الدول العربية في مؤتمر وزراء الخارجية حيال هذا التخلي الأميركي والصلف الإسرائيلي المتمادي، فإن طرح الأسئلة التعجيزية على المراقب العادي ليس حجة. فالذي تطلبه واشنطن من القادة العرب هو تغطية المفاوضات غير المباشرة التي هي بدورها تغطية لإجراءات التهويد المتواصلة ولحصار غزة، وتغطية العقوبات على إيران، وتغطية الحرب على الإرهاب وغيرها. والسؤال الذي يطرح في مقابل السؤال التعجيزي هذا، هو: ألم يحن الوقت كي يقلب العرب الطاولة وسط الأزمات الدولية والإقليمية المتراكمة فيطلبوا مقابلاً في ما يخص القضية الفلسطينية ثمناً لتغطيتهم ما تريده واشنطن في مشاكل أخرى؟ ألم يحن الوقت لتجاوز مبادرة السلام عبر انتزاع زمام المبادرة من إيران في رعايتها المقاومة الفلسطينية؟ وفي اختصار لماذا لا تنتهج المجموعة العربية خطاً يدخلها ساحة المقايضات الدولية بدلاً من أن يراوح موقعها بين العجز وبين تغطية معظم ما يريده الغرب؟ ماذا لو قرروا أنهم لن يلتزموا موجبات الحصار والعقوبات الآتية على إيران مقابل عدم استجابة واشنطن للحد الأدنى من الموقف العربي في فلسطين؟ ومن سخرية القدر أنه قد يكون لتغطية لجنة المبادرة العربية المنبثقة من مؤتمر وزراء الخارجية، المفاوضات الفلسطينية غير المباشرة مع إسرائيل لمدة 4 أشهر، حسنة وحيدة هي أنها قد تساهم في تمديد مهلة التفاوض الديبلوماسي بالمقارنة مع خيار الحرب التي قُرعت طبولها خلال الاسبوعين الماضيين إن من قبل الإسرائيليين أو من قبل الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله أو من قمة دمشق التي جمعت الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والرئيس بشار الأسد ونصرالله. فهي مهلة موازية لتلك التي يجرى الحديث عنها في دوائر الغرب العليا عن أن الأشهر الستة المقبلة ستكون اختباراً لمدى فعالية العقوبات المفترضة على إيران يتقرر بعدها ما إذا كانت نتائج هذه العقوبات سترجح التفاوض أو الحرب. والأرجح أن تحفظ سورية عن التغطية العربية للتفاوض الفلسطيني غير المباشر مع إسرائيل لا يعني أن دمشق ستقاتل ضد هذا الموقف، لأنها في نهاية المطاف تستفيد من مهلة ال4 أشهر هي أيضاً لإبعاد شبح الحرب التي لا تريدها، نظراً الى أنها حتى لو اقتصرت على لبنان و «حزب الله» فإنها ستكون تحدياً كبيراً لها. فدمار لبنان من هذه الحرب سيلحق الضرر الكبير بها أيضاً في مقابل محدودية الضرر الذي قد يصيب طهران جراء حرب بعيدة عن أراضيها. وإذا كانت قمة دمشق في 25 شباط (فبراير) الماضي وُضعت في اطار الرد على محاولات إبعاد سورية عن إيران بعد زيارة نائب وزيرة الخارجية الأميركية ويليام بيرنز لها، وإذا كان الجانبان السوري والإيراني ونصرالله لا يتوقفون كثيراً أمام الآثار السلبية للغة الحرب على جمهور المقاومة نفسها في لبنان ومخاوفه من آثار تلك الحرب وقلق الناس العاديين والانقسام اللبناني الداخلي، فإن مهلة الأشهر الأربعة تطرح تحدياً على سورية مثل التحدي المطروح على سائر القادة العرب. ماذا بعد انتهائها؟ فدمشق أيضاً تساير طهران لأن واشنطن لا تقدم لها بالقدر الذي تتوقعه منها لجهة تطبيع العلاقة معها. فهل تكون فرصة التنفس التي تتيحها مهلة الأشهر الأربعة مدى زمنياً كي تساهم القيادة السورية مع سائر القادة العرب في صوغ نهج تستعيد معه المجموعة العربية المبادرة، فيحل التنسيق السعودي – المصري – السوري مكان قمة دمشق الأخيرة، ويحل التفاوض العربي الجماعي مع واشنطن مكان التسابق على العلاقة معها؟ ... إذا حصل ذلك فإنه قد يبعد خيار الحرب... وقد يعفي اللبنانيين عناء البحث عن استراتيجية دفاعية هم عاجزون عن وضعها.