إذا كان شرّ البلية ما يضحك فلا بد لمفارقات الحق والباطل أن تقودنا الى التأمل في طبيعة المنطق الأعوج: قاضية لا غبار على سمعتها أطلقت سراح معتقل بصورة قانونية، ووضعته في تصرّف النيابة العامة بحسب الأعراف المتبعة، لكن السلطة، وعلى رأسها الرئيس تشافيز نفسه، أمرت بحبسها، بل فصل الرئيس في القضية قبل التحقيق وطلب لها ثلاثين سنة وراء القضبان! في المقابل امرأة تتحمس ل «الثورة» الى حدّ فقدان السيطرة على النفس فتقود حفنة من أتباعها الى محطة تلفزيون، تقتحمها بالقوة وتقوم بعملية تخريب تخللها إلقاء قنابل مسيلة للدموع وضرب موظفين، قبل أن تغادر وأصحابها مبنى المحطة. جواباً على ذلك يستشيط الرئيس غضباً ويأمر بسجنها. لكن ما هي سوى شهور قليلة حتى تظهر قربه في خطاب الرد على التظاهرات الأخيرة للطلاب، ثم تنزل الى الشارع لتقود مجموعتها «الثورية» الى مزيد من الفوضى. في التفاصيل أن انهيار جزء من النظام المصرفي الفنزويلي وإعلان إفلاس ثلاثة مصارف دفعة واحدة، كشف أوراق عدد من رجال الأعمال، بينهم من استعمل نفوذه للقيام بعمليات مشبوهة. حوكم الذين أقروا بفعلتهم وأودعوا السجن، إلا إيليو سيدينو الذي انكر تورطه في صفقة كومبيوترات بقيمة 26 مليون دولار لحساب شركة «ميكروستار». القانون يسمح بتوقيف احترازي أقصاه سنتان في أسوأ الحالات. مضت المدة وقارب توقيف سيدينو السنوات الثلاث ولم تبت المحكمة بأمره لغياب الأدلة وتغّيب الادعاء العام عن الجلسات المتتالية. أخيراً قررت القاضية المولجة بالحكم في القضية ماريا لورديس أفيوني (من أصل لبناني) أن تطلق سراح سيدينو بسند إقامة شرط زيارة جبرية الى مركز الشرطة كل أسبوعين، ما هو قانوني مئة في المئة. غير أن السلطة اعتبرت اختفاء سيدينو على اثر اطلاق سراحه مسؤولية أفيوني، فجرى اعتقالها على الفور وأودعت زنزانة في سجن للرجال إمعاناً في إهانتها. الرئيس تشافيز لم يترك للقضاء حرية البت في المسألة بل قال إن عمل أفيوني يستحق الإعدام «لو لم تكن في حمى عدالة الثورة». من جهة أخرى، الاثنين في الثالث من آب (أغسطس) الفائت حوالى الواحدة ظهراً، اقتحمت مجموعة مسلحة مبنى تلفزيون «غلوبوفيزيون» المعروف باتساع تغطيته وقوة حجته وانتماء أفضل صحافيي التلفزة الى شاشته ونقده تجاوزات السلطة، وكانت على رأس الحملة طالبة الحقوق السابقة والناشطة «البوليفارية» لينا رون. كاميرات التلفزيون التقطت مشاهد الهجوم وفيها تلعب «الرفيقة لينا» دوراً بدنياً واضحاً، فتقذف القنابل المسيلة للدموع، وتلكم وترفس كل من يقترب منها. وبعدما أوصلت رسالتها الثورية الى من يهمه الأمر غادرت باحة المبنى «منتصرة». الرئيس تشافيز ندد بالهجوم وطلب الى وزير الداخلية أن يضرب الفاعلين بسيف القانون «لأن أعمالاً كهذه تعطي الاوكسيجين للبورجوازية المناهضة للثورة وصوراً سوف يبثونها في العالم كله. إنه عمل باطل مغاير للثورة، وسوف يقع اللوم عليّ في النهاية». تفاوتت الأنباء وتضاربات الإشاعات حول مصير لينا رون بعد هذه الحادثة، فلم يتأكد ولم ينف إيداعها السجن. عملياً، اختفت عن الأنظار بضعة شهور، وفجأة ظهرت الى جانب الرئيس تشافيز لدى تصديه لتحرك الطلاب بخطاب مطول عن الاوليغارشية والرجعية والتخطيط المشبوه لضرب الثورة. وفي اليوم التالي كانت لينا رون بكامل قواها العقلية تقود التظاهرات المضادة لسبعمئة ألف طالب نزلوا الى الشارع اعتراضاً على ضرب حرية التعبير في البلاد.