حملت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في زيارتها الأولى للبنان رسائل سياسية عدة تصب في خانة دعم حرية لبنان وسيادته واستقلاله، ونقلت الى الرئيس اللبناني ميشال سليمان رسالة دعم خطية من الرئيس الاميركي باراك أوباما، جدد فيها «التزامه الشخصي والتزام بلاده مساعدة لبنان في الحفاظ على سيادته واستقلاله ودعم المؤسسات الشرعية فيه»، مثمناً «الخطوات التي ينتهجها الرئيس ميشال سليمان في الحفاظ على الوحدة والاستقرار» وأكدت كلينتون دعم بلادها ل«أصوات الاعتدال في لبنان». كما طمأنت الجميع إلى أن واشنطن «لن تعقد أي صفقة مع سورية على حساب مصلحة لبنان»، مشددة على ضرورة إجراء انتخابات نيابية «حرة بعيداً من العنف والتدخلات الأجنبية»، ومجددة الإشارة الى دعم الجيش اللبناني «القوات الشرعية الوحيدة التي يحق لها امتلاك السلاح في لبنان». وخصصت كلينتون زيارتها المفاجئة والتي دامت نحو ثلاث ساعات أمس، للقاء الرئيس سليمان في قصر بعبدا وزيارة ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في وسط بيروت. وأفادت مصادر كلينتون بأن عدم لقائها رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة، يعود الى ان الاثنين مرشحان للانتخابات النيابية المقبلة، وهي ترفض أن يدرج البعض لقائها بهما في خانة التدخل في الانتخابات النيابية. رسالة من أوباما وكانت كلينتون انتقلت من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت الى قصر بعبدا عند الحادية عشرة ظهراً، حيث عقدت خلوة مع سليمان سلمته خلالها رسالة خطية من الرئيس الاميركي، أشار فيها الى «انه متابعة للاتصال الهاتفي الذي اجراه مع نظيره اللبناني في شباط (فبراير) الفائت، أوفد الوزيرة كلينتون مؤكداً دعمه والتزامه الشخصي لسيادة لبنان واستقلاله ومسيرة الاستقرار فيه»، مثمناً في هذا المجال «الخطوات التي قام بها الرئيس سليمان في قيادة البلاد نحو الاستقرار والحفاظ على الوحدة وانتهاج خط الاعتدال مع الجميع». وأكد اوباما في رسالته «التزام الولاياتالمتحدة دعم المؤسسات الشرعية لتستعيد دورها ودعم المؤسسات العسكرية والأمنية لتقوم بدورها في الحفاظ على الاستقرار». وأشار الى «ان الولاياتالمتحدة تعمل على سلام عادل وشامل في المنطقة»، والى انه أكد في زياراته الخارجية التي قام بها أخيراً العمل على تحقيق هذا السلام»، لافتاً الى «انه طلب من موفده السيناتور جورج ميتشل الوقوف على رأي الرئيس سليمان بالنسبة الى مسار السلام في المنطقة عند زيارته للبنان». وإذ أكد اوباما «ثقته الكاملة بالرئيس سليمان والعمل عن قرب مع السفيرة ميشيل سيسون وطاقم السفارة في لبنان لما يخدم المصالح المشتركة»، أشار الى «انه يتطلع الى العمل عن قرب مع نظيره اللبناني لما فيه خدمة هذه المصالح المشتركة وكذلك الاستقرار في المنطقة». وبعد اللقاء الثنائي، انعقد لقاء موسع بين الجانبين اللبناني والاميركي في حضور مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان والسفيرة الاميركية ميشيل سيسون ووزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ، أشار خلاله سليمان الى «العلاقات الثنائية الجيدة بين لبنان والولاياتالمتحدة، متطلعاً الى الدور الذي يقوم به الرئيس اوباما في المنطقة لإحلال السلام العادل والشامل»، مشيراً الى «وجوب المساعدة الاميركية في الضغط على إسرائيل كي تكمل انسحابها من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من الغجر». ولفت الى «حاجة الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية للمساعدات في سبيل الحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي»، معرباً عن شكره ل«ما تم تقديمه لغاية الآن»، ومبدياً «أمله بوجوب حل الأزمة في منطقة الشرق الأوسط وإيجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين». وحمل سليمان الوزيرة الأميركية تحياته الى اوباما وتمنياته له بالتوفيق والنجاح في تحقيق الأمن والسلام في المنطقة. وأشارت كلينتون، من جهتها، الى أن «بلادها تعمل بجهد من اجل اطلاق محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والوصول الى حل الدولتين»، مبدية «تفهمها الكامل للموقف اللبناني في ما يتعلق باللاجئين في شكل خاص». وجددت «إيمانها بوجوب مساعدة الجيش اللبناني كي يحفظ امن البلاد ووحدتها وسيادتها». وإذ أبدت «أملها بالعودة الى بيروت مجدداً»، فانها تمنت أن «تجرى الانتخابات في شكل حر وعادل وبصورة ديموقراطية». وبعد اللقاء الموسع، عقدت كلينتون مؤتمراً صحافياً في قاعة الصحافة في القصر الجمهوري أعربت خلاله عن امتنانها ل«هذه الفرصة لتسليم رسالة من الرئيس الاميركي باراك اوباما الى الرئيس سليمان تعبر عن الدعم القوي للإدارة الاميركية للبنان حر سيد ومستقل»، وشددت على «الروابط المميزة التي تربط بين لبنان واميركا». وقالت ان «الولاياتالمتحدة اغنتها مساهمات الاميركيين من اصل لبناني، كما اغتنت أيضاً بتعدد المجتمع خصوصاً أن لبنان يتمتع بهذه الميزة وهي مصدر قوة كما تمثل بالنسبة الى بلادي». وأضافت: «على مر السنوات، مر لبنان بالكثير من التحديات وأرغب في الإشادة بشجاعة المواطنين من مختلف المجموعات الذين عملوا على بناء وطن ديموقراطي ومستقل، والانتخابات النيابية المقبلة في حزيران، تعتبر مؤشراً مهماً في هذا المجال». وقالت: «نحن نؤمن بقوة ان على الشعب اللبناني ان يختار ممثليه في انتخابات نزيهة وعادلة، من دون القلق من تخييم أجواء عنف وتهديد، وبالتأكيد بعيداً من أي تدخلات خارجية. وننضم الى المجتمع الدولي في دعم جهود الحكومة اللبنانية في سبيل تحقيق هذا الهدف»، مشيرة الى أن بلادها ستواصل «دعم أصوات الاعتدال في لبنان والمؤسسات الرسمية للدولة التي يعملون على بنائها. كما سيستمر دعمنا المتواصل للقوى المسلحة اللبنانية كصورة عن تعاوننا الثنائي»، ومشددة على أن «قرارات مجلس الأمن كانت واضحة لجهة ان القوى المسلحة اللبنانية هي القوات الشرعية الوحيدة التي يحق لها امتلاك السلاح في لبنان والمسؤولة عن جميع اللبنانيين، وارغب في ان اثني على القوات المسلحة اللبنانية على جهودها للدفاع عن حدود لبنان، ومحاربة الإرهاب وتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 بشكل تام». وتابعت كلينتون: «أنا هنا أيضاً لأتعهد بالدعم الكامل للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وسأغادر بعبدا متوجهة الى ضريح رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري لأقدم تعازي، وهناك حاجة لوضع حد نهائي لحقبة من عدم المعاقبة عن اغتيالات سياسية في لبنان، وهذا أمر لا يمكن ولا يجب استخدامه كورقة مساومة. وعندما سأزور الضريح سأحيي ذكراه وأقدم تعازي لكل الذين قتلوا خلال دفاعهم عن سيادة لبنان واستقلاله»، مؤكدة أن «المبادئ الأساسية لثورة الأرز التي تلت اغتياله والهادفة الى تحقيق سيادة الشعب اللبناني وحريته هي قيمة جوهرية نحترمها وسنعمل على ترجمتها الى حقيقة دائمة». كما أعربت عن إيمانها بأن «للبنان دوراً محورياً للعبه في الجهود الطويلة المدى لبناء سلام دائم واستقرار في المنطقة، وانني الى جانب الرئيس اوباما والإدارة التي أمثلها إضافة الى حكومة الولاياتالمتحدة الاميركية وشعبها، نتطلع الى شراكة وتعاون متواصلين». حوار ثم أجابت كلينتون على أسئلة الصحافيين. وعما إذا كانت زيارتها للتعبير عن دعمها للانتخابات، قالت: «أود أن أعبر عن دعم الرئيس اوباما ودعمي للشعب اللبناني وللبنان السيد والحر والمستقل، ولإجراء انتخابات حرة بعيدة من أي تدخلات وتهديدات كي يتمكن اللبنانيون من إيصال صوتهم بصورة سلمية خلال هذه الانتخابات». وعن كيفية تعامل الإدارة الاميركية مع حكومة لبنانية جديدة إذا فازت المعارضة أو «حزب الله» في الانتخابات المقبلة، أجابت كلينتون: «لن أخوض في تكهنات حول نتائج الانتخابات في بلدكم، وهذا أمر يعود الى الشعب اللبناني لتقريره، فاللبنانيون يضعون رهانات كبيرة على هذه الانتخابات وأنا أعلم كم ان المرشحين يقومون بحملات انتخابية جدية في مختلف أنحاء البلاد»، مجددة أملها بأن «تجري الانتخابات من دون أي تهديد وبعيدة من التدخلات الخارجية وان تستمر نتائجها في اتجاه موقف معتدل إيجابي يعود بالفائدة على جميع اللبنانيين، فنحن نريد لبنان بلداً قوياً مستقلاً حراً وسيداً، ولا شك في ان الانتخابات ستكون مؤشراً أساسياً الى هذا الدرب». وتمنت كلينتون أن «يتخذ الشعب اللبناني قراراً يكمل التطور الذي شهدناه خلال السنوات الأخيرة»، مؤكدة أن «الاعتدال مهم في شؤون الدولة، لأنه يعطي الشعب الذي ينتمي الى مختلف العقائد والخلفيات فرصة للمشاركة، وهذا يعود الى الشعب اللبناني، لكننا نتطلع الى العمل والتعاون مع الحكومة اللبنانية الجديدة». وعما إذا يمكن أن يدفع لبنان ثمن التسوية مع سورية خصوصاً على صعيد المحكمة الدولية، وعن سبب عدم زيارتها بري والسنيورة، أوضحت كلينتون أن «هذه الزيارة كانت قصيرة جداً، لضرورة توجهي الى واشنطن بعدما زرت العراق والكويت، لكنني جئت الى هنا لتوجيه إشارة قوية عن دعمنا لانتخابات حرة وعادلة، ولدولة لبنان التي يرمز إليها رئيس الجمهورية، لذلك التقيت فخامة الرئيس وكان لي شرف ان يستقبلني مع عدد من المسؤولين، وآمل بان أعود الى هنا». وأضافت: «أما بالنسبة الى سورية، فإننا مرتاحون الى تبادل السفراء وهو أمر تم التوافق عليه بين لبنان وسورية، ونحن نعتبر ان من المهم ان يتمتع لبنان بعلاقات جيدة مع جيرانه بمن فيهم سورية، انما مع الأخذ في الاعتبار ان لبنان هو بلد حر سيد ومستقل ولا يمكن ان نقوم بأي عمل من شأنه ان يؤذي سيادة لبنان، فلا نتمتع بهذا الحق ولا نؤمن بأن هذا هو الأمر الصائب للقيام به»، مطمئنة «المواطنين اللبنانيين الى أن الولاياتالمتحدة لن تعقد أي صفقة مع سورية تتخلى خلالها عن لبنان وشعبه». وقالت: «عانيتم الكثير ومن حقكم ان تحظوا بفرصة لاتخاذ قراراتكم بأنفسكم أياً تكن، ومع أناس يدعون لبنان وطنهم ويحبونه وملتزمون به وبقوا فيه وقاموا بكل ما باستطاعتهم لتخطي السنوات الصعبة. إنكم تعيشون في جوار معقد ومن حقكم ان تحظوا بمستقبلكم الخاص، وهذا ما نؤمن به». وفور انتهاء المؤتمر الصحافي، وجه صلوخ دعوة الى كلينتون لزيارة لبنان، فرحبت بها، ووعدت بتلبيتها عندما تسمح الظروف. زيارة ضريح الحريري ومن بعبدا انتقلت كلينتون الى وسط بيروت، حيث زارت عند الواحدة ظهراً ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يرافقها فيلتمان وسيسون. وكان في استقبالها رئيس كتلة «المستقبل» النيابية سعد الحريري ونادر الحريري وهاني حمود. ووضعت كلينتون إكليلاً من الزهر على الضريح، ثم زارت أضرحة الشهداء مرافقي الرئيس الحريري. وتخلل الزيارة حديث على انفراد بين كلينتون والحريري، دونت بعده الوزيرة الاميركية كلمة في سجل الشرف قالت فيها: «ان الذين قتلوا رفيق الحريري لم يقتلوا حلمه في لبنان حر سيد مستقل ومزدهر... ولن يتمكنوا من ذلك أبداً. ان حياته وتراثه سيستمران في الهام الشعب في كل مكان. فليبارك الرب ذكراه وعائلته وبلده الحبيب». ثم انتقلت كلينتون والوفد المرافق الى مطار رفيق الحريري الدولي، حيث غادرت بيروت عند الواحدة والنصف ظهراً.