خطوط صغيرة حفرت لنفسها مكاناً على جانبي عينيها، تحاكي بروز الحد الفاصل بين فمها وخديها، وتضيف على وجهها الأربعيني وقاراً. هي تجاعيد التعبير، تسللت إلى بشرتها، من دون أن تؤثر في طلّتها الأنيقة. نصيحة بإبرة بوتوكس، تحد من عمل العضلات وبالتالي تؤخر التقدم في السن، دفعت بها إلى عيادة طبيب مختص. خرجت من العيادة، بوجه لعبة لا يقوى على العبوس، أو التفاعل مع ضحكة عالية من القلب. تجميد لقي صدى إيجابياً في أوساط صديقاتها اللواتي سررن للحاقها بالركب. ما لبث أن تحوّل هوساً بأن تصبح «الأصغر» بينهن. عملية شفط دهون كاملة سحبت ترهلات يديها وقدميها وأعادت بطنها إلى ملاصقة الظهر. نحول جسدها «المنحوت»، نبهها إلى صغر حجم صدرها مقارنة بالصدور العارمة لمذيعات التلفزيون ونجماته. نفخت صدرها، وشفتيها اللتين بهتتا مع اجتياح البوتوكس لوجهها. عمدت إلى إضافة وصلات شعر طويلة على شعرها القصير، وحصلت على «الابتسامة الهوليوودية» من طبيب أسنان معروف... وعادت إلى البلد الذي تقطنه منذ سنوات. هي مغتربة لبنانية تقطع سنوياً آلاف الأميال بغية زيارة عائلية مكللة بعمليات تجميل، حتى بات أهلها يعتبرون أن زيارتهم تأتي على هامش إجراء تلك العمليات وليس العكس. سياحة تجميلية يعتبر لبنان من البلدان السبّاقة والرائدة في صناعة التجميل، وفضلاً عن أنه من أبرز الدول العربية في تقديم هذه الخدمة، يحتل مركزاً متقدماً في العالم في هذا المجال. وعمليات التجميل في لبنان تخضع للظروف العامة التي يمر بها البلد كأي شيء آخر، إذ أن المجال يعتمد أيضاً السياحة، ففي عام 2005 وقبيل دخول لبنان في الأزمات السياسية وصل عدد العمليات إلى 18500 جراحة تجميل سنوياً، من دون احتساب عمليات التجميل البسيطة. وفي العام نفسه احتل لبنان المركز ال24 في العالم نسبة الى عدد السكان، وفقاً لإحصاءات INTERNATIONAL SOCIETY OF AESTHETIC PLASTIC SURGERY التي تحتسب حجم العمليات الجراحية في السنة قياساً إلى عدد السكان. عدد ينحسر وفقاً للظروف السياسية في البلد، ولكنه يحافظ على هامش شبه مستقر بحسب بعض المراقبين، ويقدر النمو الحاصل في الجراحات التجميلية بنسبة 20 في المئة سنوياً. ويقدم البعض لبنان على أنه مستقطب أول للمشاهير العرب وتقدر تكلفة رحلة إلى مراكز التجميل في لبنان، لمدة 6 أشهر، ب 50 ألف دولار، لتحويل فتاة عادية إلى «موديل». وتشمل بحسب المطلعين على كواليس هذه «الصناعة» نفخ الخدود والصدر وتجميل الأنف والشد والتنحيف. إقبال يمكن اعتباره أحد أبرز المداخيل في البلد، فقد ساهمت «السياحة العلاجية والتجميلية» بنحو 15 في المئة من مجموع الإنفاق السياحي في لبنان عام 2009. ولأن السياحة تلزمها رعاية، فقد عمدت بعض مكاتب السفريات إلى الإعلان في الدول العربية والخليجية منها في شكل خاص عن «عروض» خاصة، تتضمن حجز مواعيد عند أطباء التجميل، وتأمين الاقامة والنقليات داخل لبنان، طوال فترة «ما بعد العملية»، فيعود «السائح المتجمل» إلى بلده «جميلاً» من دون أي أثر يشير إلى خضوعه لجراحة تجميلية، ما يؤمن له الحرية التامة بالافصاح عن خضوعه لعملية ما أو أنه «استيقظ بحالة جمالية أفضل»، بعد خلود مبكر للنوم. ويسعى اللبنانيون إلى ابتكار أمور تشجيعية في هذا المجال، وقد اعتبرت الحملة التي قام بها أحد المصارف في أيار (مايو) 2007 من أبرز «الشطحات» في هذا المجال، إذ قام المصرف بالإعلان عن فتحه باب القروض لمن يرغب بإجراء عملية تجميل، وبدأت القروض بفائدة 6 في المئة، ولمدة ثلاث سنوات. وقد برزت أخيراً مستشفيات متخصصة في مجال «التجميل»، أنشئت وفق مواصفات عالية الجودة لناحية اختيار المكان والتجهيزات إلى درجة وصفها ب»فنادق تجميل». تصل تكلفة بعض علاجاتها إلى 20 ألف دولار، كحقن الجسم بهورمون يجدد خلايا البشرة، ويتيح لمستخدمه ان يبدو اصغر ب 20 عاماً، أي بمعدل ألف دولار عن كل عام. التجميل والتجمّل، أمران متلازمان في لبنان، ويكاد لا يخلو شارع حتى في أكثر المناطق شعبية من صالون تجميل يقدم إلى جانب تصفيف الشعر الخدمات البديهية التي تلجأ إليها النساء كإزالة الشعر الزائد أو تقليم الأظافر، وبأسعار تتفاوت بتفاوت المنطقة والطبقة التي يتدفق منها الزبائن. صالونات تضاف إلى مئات مراكز التجميل التي تستخدم تقنية إزالة الشعر الزائد بواسطة الليزر أو الكهرباء مرتكزة فقط على «خبرة» اكتسبتها من دون أي شهادات، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى أخطاء تتمثل بحروق بالغة في البشرة. ولتكتمل صورة البلد «المنخرط» في عالم التجميل وصناعته، ذاع صيت أماكن مخصصة لتجمّل الأطفال حيث يتم تقديم خدمات تقليم الأظافر وتصفيف الشعر والتدليك لأطفال تتراوح أعمارهم بين خمس و15 سنة، ولفتيات صغيرات يسعين للتشبه ب «أميرات القصص الخيالية». وحتماً للرجل الذي شهد اقباله على الاهتمام بمظهره تطوراً لافتاً، حيز خاص يتمثل بمراكز تقدم له ما يلزم لطّلة جميلة ومبهرة، مع «مراعاة خصوصيته وتكتمه»، فلا تفصح هذه المراكز عن أسماء زبائنها مع سعيها إلى إعطاء المواعيد بطريقة، إذا تمّ الالتزام بها بدقة تضمن لهم أن أحداً، غير الموظف المكلف الاهتمام ب «جنابه»، لن يعرف أنه كان «يتجمل»!