من النادر ان يعثر الزائر لمدينة حفر الباطن، على جدار يخلو من كتابة، ولم يقتصر الأمر على الجدران، التي تحوي عبارات بعضها «خادش للحياء»، إذ طالت خربشات المراهقين وربما بعض الكبار، كل شيء جامد في المدينة، بما فيها لوحات الشوارع. وإذا كان الجيل السابق، يفضل جدران المدارس، لتدوين عباراته، التي غالباً ما تشير إلى ناديه الرياضي المفضل، أو بعض العبارات الغزلية، فان جيل اليوم بات يستهدف جدران المنازل والمنشآت الحكومية، وحتى حاويات النفايات، بل وصل الأمر إلى الكتابة على الشاحنات واللوحات الإرشادية المرورية. وعلى رغم تبني إدارة التربية والتعليم، فكرة كتابة أسماء الله الحسنى على جدران معظم المدارس الحكومية، وتسعى لشمول بقية المدارس، إلا أن هذه الخطوة التي لاقت استحسان الكثيرين، لم تكن كافية لإيقاف ظاهرة الخربشة على الجدران. ويقول الاختصاصي الاجتماعي محمد الراشد، ل «الحياة»: «إن على المجتمع أن يقوم بمهامه للقضاء على هذه الظاهرة، التي تسيء إلى البلد قبل أن تسيء إلى الشخص، كون هذه المظاهر غير الحضارية تُعطي انطباعاً سلبياً عن أي مجتمع تتفشى فيه». وأضاف «المهمة الأكبر مناطة في الأسرة، فلو اهتم الآباء في سلوك أبنائهم، واقتربوا منهم، وتفهموا احتياجاتهم، وفتحوا معهم قنوات حوار، فلن تظهر مثل هذه السلوكيات». وأبان الراشد، ان «ما ينقص مجتمعنا هو الوعي والنهوض بالأسرة، باعتبارها نواة المجتمع، لدورها في التربية والتأثير الكبير في سلوك الفرد والجماعة على حد سواء. كذلك يجب على التربويين أن يحاربوا هذه الظاهرة، لأن مثل هذا العبث في المنشآت هو ميدان خصب لخطب الجمعة والندوات والمحاضرات، فلو قام المشايخ وطلبة العلم بتوعية الأهل لتقلصت هذه الظاهرة». ودعا إدارات التربية والتعليم إلى «إدراج هذه المواضيع ضمن خططها في سجلات النشاط الطلابي، وإقامة الحملات المناهضة لهذه الظاهرة، وتبنيها، وتفعيل التعاون بينها وبين القطاعات ذات العلاقة، مثل: البلدية والإمارة ومكاتب الدعوة والإرشاد ودور التوعية الأسرية»، مضيفاً «إن تحقق ذلك، فأنا على ثقة تامة أنها ستتلاشى وتضعف. وكل ما نريده هو أن تقوم الجهات والمؤسسات الحكومية بدورها، وهي بالمناسبة من أهم أهداف وجود مثل هذه المؤسسات». بدوره، ربط مدير مستشفى الصحة النفسية في حفر الباطن الدكتور ماطر الحربي، ظاهرة الكتابة على الجدران داخل أروقة المدارس أو خارجها، ب «الكبت النفسي الذي يجده الطالب في المدرسة، أو المنزل، أو لعدم إتاحة الفرصة للطالب بأن يبدى رأيه بحرية تامة، ما يجعله يقوم بالتعبير عن نفسه بالكتابة على الجدران الخارجية، في لحظة اللا وعي، متى ما وجد أداة لذلك، من طباشير أو أدوات صبغ، أو قلم ألوان، أو غيرها، أو الكتابة داخل دورات المياه، متى ما وجد الفرصة، ومن دون إدراك منه يعبث بهذه الممتلكات». وأشار الحربي، إلى ان بعض الرسوم على الجدران «تعني ان الشخص يواجه صعوبة في إقامة علاقات مع الآخرين، وعدم قدرة على التعاون معهم، أو أنه يشعر بعدم التقدير من الآخرين. وقد تدل أيضاً على ان الكاتب يفكر في طريقة يحتال بها على الناس، والابتعاد عن مواجهتهم من دون أن يضايقهم». وأضاف «أحياناً، تكون لبعض الكتابات معان معينة، وأبعاد نفسية تنم عما في داخل الشخص. وقد يكون من أسبابها الفراغ الذي يدفعه إلى مثل هذه الممارسة، وكذلك سلوكيات بعض أولياء الأمور، من انحرافات سلوكية، وعدم مبالاة في تربية أولادهم، سواءً داخل المنزل أو خارجه، ما يدفع بعض الأبناء إلى التعبير الغامض عن تلك المشكلات بهذه الطريقة السيئة. وكذلك من أسباب هذه الظاهرة تفريغ شحنات مكبوتة داخل هذه الفئة من الناس، تنعكس آثارها في مثل هذه السلوكيات»، مبيناً أنه «مشكلة اجتماعية بيئية تربوية، لها دوافعها وأسبابها الخاصة، التي تكثر في حي من دون آخر، وقد تنم عن مدى إهمال بعض أولياء الأمور في تربية أولادهم، وعدم متابعتهم».