يأخذ «نادي لكل الناس» على عاتقه، نشر أعمال الجيل السينمائي الجديد في لبنان، لإيمانه بالمواهب الشابة، وتأمين صالات عرض لها، في حين ترفض قاعات العرض الكبرى هذه الأعمال، على اعتبار أنها ليست تجارية ولا تجذب الجمهور. يفعل النادي ما يفعله، إيماناً منه بدور السينما في تغيير المجتمع، أو أقله لفت انتباهنا إلى مشاكلنا. ويعرف المقربون من النادي، أنه لا يتلقى أي دعم خارجي، معتمداً على مساعدات داخلية بسيطة، ونشاط المتطوعين فيه. ومع هذا لا يمر أسبوع في بيروت، من دون أن يكون هناك نشاط أو ندوة أو لقاء أو تكريم لأحدهم. ويوضح مدير النادي نجا الأشقر أن العمل انتقل من مرحلة الهواية إلى درجة أكثر احترافية، من خلال تنظيم أمور النادي، ووضع أجندة سنوية للنشاطات، والتخطيط المسبق لأي فعالية، «لتدارك هفوات قد تحصل في اللحظات الأخيرة». ويوضح أن الثقة التي اكتسبها النادي، باتت مسؤولية كبيرة، خصوصاً بعد نجاح النشاط الأبرز والأكبر للنادي «مهرجان الفيلم العربي القصير». ويشير الأشقر إلى كثير من النشاطات المقبلة منها فيلم «أحاديث في زمن الحرب» للمخرجة دالية فتح الله، الذي قدم أمس في مترو المدينة في أول عرض له، و»أيزيديي العراق» للمخرجة الشابة نبيلة غصين (13 آب)، وعرض أفلام الطلاب في مدينة النبطية (جنوبلبنان)، وفيلم «مارسيدس» لهادي زكاك على مسرح سامي حواط في جبيل (شرق بيروت)، إضافة إلى عروض أسبوعية واستعادة أبرز الأعمال العالمية. ولا يتوقف الأمر عند عرض الأفلام، إذ يستعد النادي لتكريم المخرجة اللبناني/المصرية الراحلة نبيهة لطفي، بعدما عرض لها منذ مدة «لأن الجذور لا تموت». وستتواجد أختها السينمائية عرب لطفي في بيروت لتمثيل العائلة على أن تعلن تفاصيل التكريم لاحقاً. ويعمل النادي على إعداد فيلم قصير عن حياة المخرج اللبناني الراحل جورج نصر، وعرض ثلاثة من أعماله، منها «إلى أين؟» أول فيلم لبناني شارك في مهرجان كان السينمائي. واللافت في عمل النادي، أنه غير محصور برقعة جغرافية معينة، بل يعمل على إيصال الإنتاج الجديد، لأكبر شريحة من محبي السينما. ويأخذ على عاتقه، إعادة جمع ما تيسر من الأرشيف اللبناني. فبعدما نجح في جمع أفلام مارون بغدادي، بمساعدة زوجته ثريا، وإصدارها مجدداً على أسطوانات مدمجة، وإعادة طبع كتاب عن سينما بغدادي للناقد إبراهيم العريس بمقدمة جديدة، يعمل النادي على جمع أعمال جورج نصر، بعدما أخذ الضوء الأخضر من عائلته في مباشرة تنقيح الأفلام لإصدارها مطلع العام المقبل. ويقول مدير النادي نجا الأشقر أن المشاريع والأفكار كثيرة، «لكننا نقلصها في بعض الأوقات للتكلفة العالية، لأي نشاط نريد القيام به، خصوصاً أننا لا نتلقى أي دعم خارجي، معتمدين على مساعدات من محبي السينما والمؤمنين بضرورة استمرارها». ويشير في الوقت ذاته إلى أن الصيت الجيد الذي ناله مهرجان الفيلم العربي القصير في الدول العربية، فتح أبواباً جديدة للنادي، إذ سيكون هناك تعاون وتبادل أعمال مع بعض المهرجانات العربية خلال الدورة المقبلة. الدورة الثانية عشرة التي اختتمت أخيراً من المهرجان الذي يعد أبرز نشاطات النادي، كرمت المخرج المصري داوود عبد السيد الذي عبّر عن إعجابه بالطاقات السينمائية الشابة، وكثرة الأفكار الابداعية التي قدمت، خصوصاً في بعض الأعمال اللبنانية المنفذة بطريقة ممتازة. ويبدو أن النادي، بعد انفتاحه على العالم العربي، ومشاركة أعمال من المغرب العربي وسورية ومصر وفلسطين والإمارات والعراق وتقليص عدد الأفلام الطالبية، بات أكثر انتقائية في اختيار الأعمال. فمن بين 250 فيلماً وصلته، اختار 33 عملاً للدورة الثانية عشرة. ويحاول القيمون تقديم أعمال تواكب ما يحصل في العالم العربي، من دون أي خطوط حمر. وترأس لجنة التحكيم هذه السنة المصري داوود عبد السيد، وتكونت من المخرج اللبناني غسّان سلهب والمخرج الأردني فادي حدّاد، والمؤلّفة اللبنانية ميشال تيّان، إضافةً إلى المنتجة اللبنانية مريم ساسين. ونظم النادي خلال المهرجان ندوة حول «سينما المؤلف» شارك فيها كل من داوود عبد السيد ومحمد ملص وغسان سلهب، إذ عرض كل منهم تجربته الشخصية ورأيه في الموضوع، علماً أن سلهب يفضل تسمية «السينما المستقلة» بدلاً من «سينما المؤلف». المهرجان الذي بات عربياً، والوحيد في لبنان الذي يحتضن الأفلام القصيرة، انطلقت الدورة الأولى منه عام 2002، وكان آنذاك «مهرجان أفلام الطلاب»، جامعاً ما تيسّر من أعمال لمخرجين لا يزالون في بداية مشوارهم، لتعريف الجمهور إلى الإنتاج الشبابي في بلد يحبو صوب نجاحات سينمائية ملحوظة. تكرّرت التجربة وباتت أنضج وأوعى، وتفادى القيّمون على المهرجان أخطاءً سابقة، وانفتحوا على الجامعات الخاصة، وتعاونوا مع طلابها، إلى أن صار المهرجان وجهة للمتخرجين الجدد لعرض أعمالهم، ومشاركة الجمهور والنقاد، بالنقد والتحليل. وفي دورته التاسعة توسع عربياً وبات اسمه «مهرجان الفيلم العربي القصير»، وكانت تجربته ناجحة باستضافة بعض الأعمال المميزة، لكنة تطور في شكل كبير في دورته الأخيرة، وحمل تغييرات جذرية، أهمها استقطاب أعمال من المغرب العربي، ومشاركة أفلام روائية قصيرة، والتنويع في الأنماط السينمائية، وتثبيت الثقة بينه وبين جمهوره. وقد تكون الإيجابية الأكبر هذه السنة، التصفية الجديّة التي خضعت لها الأعمال التي تقدمت إلى المسابقة. وبذلك يكون النادي، تقدّم في شكل ملحوظ صوب الاحترافية في التعاطي مع الاختيارات وتنوعها، خصوصاً أن أبرز سلبيات الدورات الماضية، كانت مشاركة أفلام لم ترتق إلى المستوى المطلوب، ما أزعج الجمهور والنقاد. وبهذا الانفلاش العربي للمهرجان، بات عليه العمل بجدية أكبر لاستقطاب الجمهور، وملء الصالة في مختلف العروض، من خلال استهداف طلاب السينما في الجامعات، والعمل مع فريق إعلاني قادر على تعريف عامة الناس بالحدث، واستقطاب جمهور جديد للمهرجان، إذ من غير المجدي تنظيم مهرجان كبير واستضافة أعمال محلية وعربية، من دون حضور شبابي قبل النخبوي. يذكر أن للنادي اهتمامات موسيقية أيضاً، إذ يعمل على جمع أعمال عمر الزعني وإصدارها مجدداً، وتنظيمه أمسيات فنية لكل من شربل روحانا وبشار زرقان وفرقة «اسكندريلا»، إضافة إلى أمسية شعرية وتوقيع كتاب لعصام العبدالله.