اختتم «مهرجان الفيلم اللبناني» دورته الحادية عشرة، والتي نظمت ضمن «أسبوع بيروت السينمائي»، بإيجابيات عدة، أهمها ما كشف عنه من تفوّق الفيلم الوثائقي من حيث المعالجة والمضمون على الأعمال الروائية المقدّمة، وقدرة المهرجان على الاستمرار في جمع النتاج اللبناني داخلياً وخارجياً، وتقديمه إلى الجمهور المحلي خلال أيام التظاهرة. وفاز فيلم «نادي سبورتينغ» للمخرجة زلفا سورا بجائزة أفضل فيلم روائي، فيما حصل «يوميات شهرزاد» للممثلة والمخرجة زينة دكاش على جائزة أفضل فيلم وثائقي. وتقاسم فيلم «مونديال 2010» لروي ديب و «الحائط» لأوديت مخلوف جائزة العمل الأول لمخرج. ويتناول «نادي سبورتينغ»، ومدته 26 دقيقة، قصة سيدة ستينية دعت أصدقاءها إلى الاحتفال بعيد ميلادها، غير أنهم تخلفوا عن الحضور، فلم يتوان الحاضرون في النادي عن إقامة حفلة لها لا تُنسى، وتتطور الأحداث في إطار ساخر وعبثي. أما فيلم زينة دكاش «يوميات شهرزاد»، فمحوره مجموعة سجينات قدمن عملاً مسرحياً هو الأول في سجن لبناني، وتروي كل سجينة قصتها سعياً إلى العلاج بالدراما. وفاز «عصفور تجدد من لوحة زيتية» لعمر فاخوري وروي سماحة بجائزة أفضل فيلم تجريبي. ومنحت لجنة التحكيم المؤلفة من المخرجة اللبنانية نادين لبكي والمخرج الأرجنتيني أرنان بيلون والناقد بيار أبي صعب والمخرج وكاتب السيناريو والممثل اللبناني شريف غطاس، إضافة إلى الجوائز، تنويهاً خاصاً لفيلم «سهام» من إخراج سيريل العريس. واستحدث المهرجان هذه السنة زاوية «أفلام من مكان آخر»، التي سلطت الضوء على السينما الأرجنتينية عبر خمسة أفلام روائية طويلة، ومن بينها «غاتيكا إل مونو» للمخرج الأرجنتيني الراحل من أصل سوري لبناني ليوناردو فافيو، الذي يستعيد حياة الملاكم الأرجنتيني خوسيه ماريا غاتيكا. أما فيلم «إل كامبو» لإيرنان بيلون، الذي سبق أن عرض في مهرجان «كان» قبل سنتين، فيتناول قصة زوجين شابين يقطنان مع ولدهما الصغير في الريف، لكن سرعان ما تتفتت علاقة الثنائي بسبب الفراغ. وعرض له المهرجان أيضاً فيلماً آخر هو «بيروت بوينس آيرس بيروت» عن امرأة من أصول لبنانية تعيش في العاصمة الأرجنتينية، وتُقرر زيارة بيروت بحثاً عن جدها. يلاحظ المتابع للدورة التي ضمت 49 فيلماً محلياً، أدرج 34 منها في إطار المسابقة الرسمية، نشاط الحركة السينمائية في لبنان، وكثرة الإنتاجات التي تتوزع بين الروائي والوثائقي والتجريبي، لكن بعضها ما زال يعاني من عدم النضج السينمائي، ومن معالجة هشة لمواضيع عميقة، وهذا ما برز في بعض الأعمال الروائية التي عرضت، على عكس الوثائقية، التي كانت أكثر قدرة على التعبير عن أسئلة الراهن وإشكاليات الواقع. وعكست الأفلام المعروضة، أجواء المجتمع اللبناني وتركيبته، وتطرق بعضها إلى الاحتلال الإسرائيلي وتداعيات الحرب اللبنانية والهجرة الأرمنية والربيع العربي، إضافة إلى موضوعات عامة. من الأعمال البارزة في المهرجان، «رسالة إلى طيار رافض» لأكرم زعتري، الذي يصوّر مدرسة رسمية في صيدا- جنوبلبنان، ويعتبر الفيلم بشكل ما نوعاً من التكريم المؤثر لطيار إسرائيلي، رفض قصف المدرسة عام 1982. وفي ملاحقة للحقيقة التاريخية عبر سجلات الذاكرة الشخصية، يتأرجح الفيلم بين الطابع الوثائقي والسردي والخيالي، ويضم مستندات شخصية ومن الأرشيف. العمل الذي شارك في الدورة الماضية من بينالي البندقية، تتنقل فيه الكاميرا ببطء وبنفَس تجريبي، ما يُورّط المشاهد في ما يراه من صور. في المقابل، لا يتعب المخرج هادي زكاك من العمل على الذاكرة اللبنانية، يبحث عن أشياء منسية ليقدمها مجدداً على طريقته، خصوصاً أن ثمة مشكلة كبيرة في لبنان مع أحداث مضت أو كانت موضوع جدل. وهو يروي في فيلمه «شهر عسل 58» (15 دقيقة) قصة لقاء تمّ عام 1955 بين رجل وامرأة. هي كانت سكرتيرة لدى الرجل الذي كان مديرها. وبعد قصة حب جمعتهما تزوجا عام 1958، بينما كان البلد يتخبط في حرب أهلية باتت منسية الآن. يرصد زكاك من خلال قصة زواج أبويه، ما حدث في تلك الفترة، وكيف سادت أجواء التوتر التي مهدت للحرب الكبرى عام 1975. وفي فيلم «طيور أيلول»، تحاول المخرجة اللبنانية الشابة سارة فرنسيس، استكشاف بيروت وفضحها. تطوف عربة شوارع بيروت على متنها كاميرا ترصد المدينة من خلف الزجاج. في الطريق يستقلها أناس مجهولون. وسرعان ما تتحوّل العربة الزجاجية إلى كرسي اعتراف. لكل من هؤلاء الأشخاص وجه وجسد وصوت ومشاعر ووجهة نظر واعترافات صادقة وحميمة. واختتم المهرجان بثلاثة أفلام وثائقية قصيرة من خارج المسابقة للمخرج اللبناني الفرنسي فيليب عرقتنجي صورها في بداية تسعينات القرن العشرين بعدما شارفت الحرب اللبنانية على نهايتها. وهذه الأفلام الثلاثة هي ضمن عشرة عروض وضعتها إدارة المهرجان خارج إطار المسابقة لأعمال صورت في لبنان من قبل مخرجين أجانب، على غرار «باركينغ» للمغربية سلمى شدادي والفرنسي فلوران مينغ، الذي يصوِّر من خلال علاقة محمد وندى، التغييرات الحديثة في المجتمع اللبناني. أما الوثائقي «رحلة في السينما التجريبية في بيروت» للفرنسيين ميشال أمارجيه وفريديريك دوفو، فسلط الضوء على رحلة المخرج الهولندي ياب بيترز، الذي ينطلق للتعرف إلى واقع السينما اللبنانية واكتشاف مخرجين من لبنان، إضافة إلى أفلام لبنانية صورت في الخارج وفي لبنان.