حين ثارت ثائرة الرسوم الكاركتيرية الدنماركية الشهيرة كتبت مقالاً أقول فيه إذا كنا حقاً غاضبين لنصرة رسول الله (ص) من سفيه تجرأ على السخرية به، فإنه أجدر بنا أن نتحلى بأخلاقه في الرد على خصومه، مثل يوم تجرأ عليه أهل الطائف فبعثوا بصبيانهم ومجانينهم يرجمونه، ويؤذنونه، وبعد أن دعا دعاءه الشهير (إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي) فخرج عليه جبريل وسأله: إن أردت أطبقت عليهم الأخشبين، لكن الرسول (ص) قال: لا فإني أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله. لكن هذا المقال رُفض نشره حين كنت أكتب في صحيفة أخرى آنذاك، واعترض عليه الرجل الحكيم وقتها قائلاً: إنني كمن يقف في وجه قطار! هل كان ذاك الكلام صحيحاً؟ لا أدري لكنني أتأمل هذا القطار اليوم وأتساءل أين سيذهب بنا قطار شتم الآخرين والتعدي على مقدساتهم، الذي ما أن يشب جمره في مكان حتى يهب غير العقلاء منا ومنهم للنفخ فيه؟ وكأننا يجب علينا أن نرد على كل جاهل وأن ندبج الخطب لوعظ المجانين. ما يحدث اليوم هو أنه جاءنا من يشتكي علينا مثلما اشتكينا بالأمس وأطلق قطارهم ضدنا دولياً، لأن أحد وعاظنا نسي نفسه وظن أن من الوطنية وفي مكان طاهر كالمسجد، يجوز سب أصحاب المذاهب الأخرى والأديان والمعتقدات الأخرى، ما استوجب من قيادتنا موقفاً حكيماً فحمّل سفيرنا في لبنان اعتذاراً يؤكد احترام بلادنا لأديان ومذاهب الآخرين. لكننا في الحقيقة نخاف أن نعتذر كثيراً إن لم نوجد تنظيمات تمنع التعدي على المذاهب والأديان، فنحن اليوم أمام خطاب يتمادى في العنصرية، بل أصبح يهدد الوحدة الوطنية على أساس مذهبي وفكري، وربما تتزايد الرقعة لاحقاً، فلو انتهت مشكلته مع مذهب، فربما يفتح علينا أخرى. في قطار الرسوم الدنماركية خرجنا بفكرة واحدة وهي أن حب الرسول استثمر لمصلحة غوغاء، ولمصلحة مكاسب تجارية، وصورتنا بمظهر القتلة والإرهابيين، وها نحن اليوم ندفع بمسلم يهاجم صاحب الرسوم ويحاول قتله، وفتيان يتعثرون في قنابلهم لتفجير الطائرات، وسيدفع الثمن مرضى المسلمين، وتجارهم وطلبتهم الذين يضطرون للذهاب إلى أرض الخصوم في خطاب التفكير والتفجير، وحتى بعض الشيوخ اليوم الذين يضطرون للسفر للعلاج أو لحضور مؤتمر يستقبلهم القطار إياه ليهددهم بالاعتقال بتهمة التحريض. فهل سنترك للعالم أن يقوده الحمقى والسفهاء؟ سفيه يشتم، وسفيه آخر يرد عليه، فينطلق قطار التجييش والعداء والهتافات والاستنكارات والاحتجاجات، والمقاطعات، هل نترك هذا القطار يدوس احترامنا للأديان وللشعوب والمواثيق الدولية والعهود، وحق الناس في العيش بكرامة، وحقهم في عبادة الله كما في دينهم؟ وهل ننسى أن الديانات كلها تُجمع على ألاّ تضع أخاك الإنسان في موقع لا ترضاه لنفسك، وأنك لا تؤمن حتى تحب ما تحب لأخيك، وأن ما يزعجك يزعج الآخرين، فما بالنا نستنكر رسماً سفيهاً، ونسمح لخطابات طويلة مجملة بالبلاغة، تهدد حدودنا وتعكر أجواءنا ونقول لأنفسنا نحن على حق ويخطئ الآخرون! [email protected]