كان إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المعمورة بأهلها العرب، والتي كانت وما تزال وستبقى جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي الممتد من أقصى المحيط إلى أقصى الخليج، موضع انتقاد واعتراض شاملين، وفي مقدمة المعترضين علماء ومفكرون وسياسيون، وكان بين هؤلاء المنتقدين والمعترضين علماء ومفكرون يهود في طليعتهم العالم الفيزيائي الشهير "ألبرت إنشتاين" الذي حاول قادة الكيان إغراءه برئاسة دولة هذا الكيان في أول تكوين لها العام 1948م لكنه رفض بإصرار، وقال إنه لا يريد لليهود أن يقعوا في أسر دولة ضيقة ويخشى عليهم من ذلك، لأنهم طوال تاريخهم كانت حياتهم وأفكارهم عالمية. وكان المؤرخ العالمي "أرنولد توينبي" أشد المعترضين على ظهور هذا الكيان، وحذّر منذ وقت مبكر من نتائج ذلك مستوحياً في موقفه أحداث التاريخ، وكان ينادي باندماج اليهود في الأقطار التي يعيشون فيها بوصفهم مواطنين لا يُخلّ بمواطنتهم كونهم يتوجهون يوم السبت إلى المعبد اليهودي. وربما كان من أقوى المواقف المعارضة والناقدة لإقامة هذا الكيان العدواني والعنصري الفيلسوف وعالم الرياضيات البريطاني "برتراند راسل" الذي قاوم بشدة من خلال فكره الإنساني المستنير وجود دولة دينية تتسم بالعنصرية والوحشية، ومما ورد له من آراء في هذا المجال قوله: "إن مأساة شعب فلسطين أن بلدهم أعطيت من قبل قوة أجنبية إلى شعب آخر لخلق دولة جديدة، وإنني لأتساءل كم سيظل العالم على استعداد لتحمّل هذا المشهد من القسوة والوحشية". ويضيف المفكر الكبير إلى هذا القول: "ولا يوجد شعب في أي مكان في العالم يقبل بأن يطرد وبشكل جماعي، من بلده، فكيف يمكن لأي شخص أن يطلب من الشعب الفلسطيني القبول بعقاب لا يتسامح معه أي شخص آخر؟.. وأن ما تقوم به "إسرائيل" اليوم لا يمكن التغاضي عنه. واستدعاء فظائع الماضي لتبرير فظائع الحاضر هو نفاق جماعي". لقد مضى على هذه المواقف الإنسانية النبيلة أكثر من نصف قرن، وما تزال بعض الدول الكبرى غير قادرة على الإصغاء لما قيل، أو النظر بموضوعية إلى ما يحدث، بل لم تتوقف هذه الدول عن مساندة الكيان الغاصب ومقاومة الحقيقة التي باتت سافرة وغاية في الوضوح لدى الشعوب عامة. وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يسيطر اللوبي الصهيوني على سياستها ويقبض على أهم المفاصل في اقتصادها وإعلامها، ما تزال تتجاهل ما جرى ويجري عليها من هذا الموقف المؤيد بالمطلق، رغم ارتفاع الأصوات المنددة والداعية إلى فك التماهي مع التوجهات الصهيونية لما تلحقه من الفشل الذريع بسياسة البيت الأبيض، في العالم بصفة عامة، وفي الوطن العربي على وجه الخصوص، وما يخلقه التعاطف غير المحدود مع الكيان المتوحش من تزايد المواقف المعادية للسياسات الأمريكية في وقت هي أحوج ما تكون إلى الخروج من دائرة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة. وإذا كانت أطماع الدول الكبرى تُنسيها منطق العقل والعدل، وتجعلها لا تقرأ ما قيل، ولا تسترجع تلك التحذيرات المبكرة، والهادفة إلى سلامة العالم والبحث عما يحفظ للبشرية استقرارها، فإن ما تواجهه على صعيد الواقع الراهن كفيل بأن يجعلها تعود إلى أرشيفات القضية الفلسطينية وملفاتها الساخنة، لتدرك، ولو بعد فوات الأوان، مدى الجريمة التي ارتكبها ساستها، لا في حق فلسطين والفلسطينيين وإنما في حق البشرية جمعاء، فضلاً عما ألحقه التجاهل الطويل من ردود أفعال تحملت الولاياتالمتحدة، وما تزال تتحمل النصيب الأوفر من أضرارها الفادحة والمؤلمة.