باستثناء محطات قليلة ظلت علاقة المستوطنين بجهاز الأمن وبالجيش الاحتلالي علاقة تفاهم مشترك، وذلك في ظل تحول عملية الاستيطان في الارض الفلسطينية من عملية (أمنية) أو "ريادية" او "طلائعية" الى مشروع رسمي للدولة، أمني واقتصادي على حد سواء وجزء رسمي من ميزانيتها. الحدود الفاصلة ما بين الطابع الأمني والطابع الاقتصادي للاستيطان ظلت وهمية ومتحركة، واستطاع اليمين الإسرائيلي منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي ان يحول المستوطنات من قضية قابلة للمساومة في جزء منها على الأقل (كما كان يرشح من أوساط اليسار الصهيوني في ذلك الوقت) الى قضية خارج هذا المجال، الا اذا تعلق الامر بقرار سياسي على أعلى مستويات لقرار من إسرائيل، كما حدث بالنسبة لمستوطنات شبه جزيرة سيناء وكما حدث اثناء الانسحاب "الطوعي" من قطاع غزة. في الحالتين كان اليمين الإسرائيلي هو صاحب القرار وكان "الصدام" مع المستوطنين شكليا وفي حدود مسيطر عليها من المرفض والاحتجاج. في حالة سيناء (والأمر هنا لا يتعلق "بأرض إسرائيل" كان الرفض والاحتجاج مقتصراً على أوساط دينية تغرقه في رجعتها ( من حيث المفاهيم والأساطير والمعتقدات) وكان ثمن الانسحاب من وجهة نظر المجتمع الإسرائيلي في غالبتيه آنذاك هو اختراق استراتيجي تحققه إسرائيل) على مستوى الإقليم المصري في عملية الصراع والاستفراد بباقي أطراف معادلة الصراع في المنطقة، وهو الامر الذي عزز من التفوق الإسرائيلي وأتاح لهما الفرصة الكاملة لتحويل الاستيطان في الارض الفلسطينية المحتلة الى عملية رسمية والى منظومة متكاملة للسير على هذه الأرض. منذ البدايات الاولى لتلك المرحلة شرعت اسرائيل بالربط ما بين الاستيطان وما بين "وحدة الارض الفلسطينية" وما بين الاستيطان والمياه، وما بين الاستيطان والجغرافيا السياسية وما بين الاستيطان والجغرافية السكانية. باختصار تحول الاستيطان الى اداة الدولة الإسرائيلية في رسم مستقبل العلاقة مع الفلسطينيين ) الى "واقع" مادي يستحيل القفز عنه، بل ويستحيل على أي حكومة اسرائيلية ان تتجاوزه كلياً، وتحول موضوع المساومة في هذا الامر من دائرة التصنيف (الوحي والافتراض) ما بين استيطان امني وسياسي الى استيطان (رسمي وعشوائي) عن طريق رسم حدود وهمية جديدة ما بين هذا الرسمي وهذا العشوائي وصولا الى التحاق العشوائي بالرسمي (أي ترسيم الاستيطان العشوائي ) وحصر قضايا المساومة على الاستيطان في هوامش هامشية من الهامش الرئيسي للاستيطان. اي ان خط سير الاستيطان في سياسة الدولة الإسرائيلية هو خط تصاعدي من زاوية التوسع الدائم، وهو عمودي من زاوية موقعه في السياسة العامة، وافقي من زاوية حجم انتشاره في الجغرافيا بحيث انه (الاستيطان ) تحول اليوم الى منظومة صميمية منصهرة بالدولة والمجتمع على حد سواء. هذا التحول يعرفه ويدركه المختصون الفلسطينيون ويشعر به عموم الشعب الفلسطيني لما يعانون من ويلاته على مستوى ادق تفاصيل الحياة اليومية في الأرض الفلسطينية . لكن دور المستوطنين في الواقع القائم اليوم ليس وواضحا بما يكفي في ظل تحولات كبيرة باتت على الأبواب على مستوى هذا الدور. يتحول المستوطنون اليوم الى كتلة انتخابية لها سمات عامة مشتركة لها من مواصفات التراص والتماسك النسبي ما ليس لدى أي كتلة انتخابية في إسرائيل. واذا امكننا الحديث على كتل انتخابية مشابهة فليس امامنا في الواقع غير الكتلة الروسية، وهي كتلة تم عمل ما يبدو استيعابها في إطار الوعاء اليميني في اسرائيل وربما ان " سر" تزايد نفوذ وقوة حزب "اسرائيل بيتنا" هو ما يفسر هذا الانصهار وهذا الاستيعاب.