ما يجري في قطاع غزة من إطلاق صواريخ على دولة الاحتلال بين الحين والآخر يشير إلى المأزق الذي نعيشه ووصلنا إليه من الاختلاف الشديد، فإطلاق الصواريخ من قطاع غزة بهذه الطريقة لا يعبر عن حال التوافق بين الفلسطينيين، ويثير غضب الغزيين الذين يرون في من يطلقون الصواريخ بأنهم أوصياء عليهم، ويعزز من قناعتهم بأنهم يوفرون لدولة الاحتلال المبررات لشن عملية عسكرية واسعة ضد القطاع. الناس يقرأون الأحداث، ولديهم القدرة على التمييز، ويدركون أن هؤلاء لم يفوضهم أحد بإطلاق صواريخ على دولة الاحتلال تسقط في العادة في مناطق خالية، ولم تسفر عن أي إصابات، ولحسابات معلومة وغير معلومة، ولمناكفة حماس. وهم يدركون أن الغارة الإسرائيلية التي شنتها طائرات الاحتلال على موقع للشرطة البحرية التابع لحكومة حماس وأسفرت عن استشهاد شرطي وإصابة عدد من أفراد الشرطة والمواطنين، وإسرائيل تعلم أن حماس غير معنية بالتصعيد، وهو لإحراج حركة حماس واستدراجها للرد، وهذا يبين أن إسرائيل غيرت قواعد اللعبة التي كانت قائمة بينها وبين حماس وفصائل المقاومة، والاكتفاء بتحميل حركة حماس المسؤولية وعدم استهداف مواقع حكومية وأمنية مأهولة. ويشير النقاش الذي دار الثلاثاء 15/ 11/ 2011، في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الإسرائيلي إلى أن غزة في دائرة الحدث، وعلى ما يبدو أن إسرائيل اتخذت قراراً بشن عملية عسكرية سريعة خاطفة ومحسوبة لتكسبها، وتحقيق أهداف عدة، منها إرباك الساحة الفلسطينية، والتأثير على قدرات المقاومة وشلها، وإعادة الردع للجيش الإسرائيلي والحفاظ على الإنجازات التي حققها خلال السنوات الأربع الماضية، كما ادعى رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بيني غنتس. غنتس في حديثه أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست قال: "إن جولات التصعيد الأخيرة سوف تؤدي بالجيش إلى تنفيذ عملية هجومية على قطاع غزة، وإن ذلك مسألة وقت"، وأضاف "يجب تقصير مدة الحرب قدر الإمكان، والسرعة يجب أن تعتمد على استخبارات نوعية ووتيرة عمل سريعة، ولذلك يجب الحفاظ على الجاهزية وعلى الموارد البشرية للجيش، وبدون ذلك سيحصل مس بالإنجازات التي حققها الجيش في السنوات الأربع الأخيرة". غنتس تطرق إلى اغتيال خمسة من قادة سرايا القدس في مدينة رفح، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وقال إن المجموعة أجرت تجارب على تطوير صواريخ لمدى يصل عشرات الكيلومترات، وأن استهدافها مس بقدرة الجهاد الإسلامي على إنتاج القذائف الصاروخية. كل ذلك تمهيد ويؤشر إلى أن إسرائيل اتخذت قرارا بشن عملية عسكرية سريعة وخاطفة، هذا عدا عن الحديث المستمر والتحريض على تعاظم القوة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، وامتلاكها صواريخ مضادة للطائرات تهدد سيطرة سلاح الجو الإسرائيلي، بالإضافة إلى امتلاك المقاومة صواريخ طويلة المدى تصل إلى تل أبيب، وغيرها من مدن الوسط. إسرائيل تريد تحقيق أهداف وضعتها ربما تكون متعلقة بما قد يجري من تطور للأحداث تجاه إيران، ومنها ما هو متعلق بنا كفلسطينيين خاصة في قطاع غزة وتقليم أظافر المقاومة والتهديد الذي تشكله ضد دولة الاحتلال، هذا يدفعنا إلى تغليب المصلحة الوطنية والبحث عن الأساليب والوسائل المناسبة لاستمرار مشاركة الشعب الفلسطيني وقواه السياسية في مقاومة الاحتلال، وعدم جر شعبنا إلى حرب تريدها إسرائيل يدفع ثمنها الناس. ما يقوم به من نصبوا أنفسهم أوصياء علينا ولم نفوضهم بإطلاق الصواريخ بالطريقة التي تجلب الضرر، لستم أوصياء علينا، وعليكم التوقف عن ما تقوموا به وتغليب المصلحة الوطنية التي تتطلب العمل بشكل مشترك، والتوافق على آلية الرد الإسرائيلي وعدم الانجرار خلف الاستفزاز الإسرائيلي، وتجنيب شعبنا ويلات الحرب والدمار ليس من باب الضعف والاستسلام، لكن بما يخدم المصلحة الفلسطينية.