ذات يوم كتب عنها الدكتور عالي القرشي قائلا: هذا الشعر المشحون بالآه، المنطوي على مراودة الحرف ومعاناة صده وهجره، الكاشف عن ذلك الأسى الذي يستبطنه الحرف، وذلك القلق الذي يخامره، فيرتدي التراجع دون الاختيار، ويسفح الدمع دون اهدار البراءة، ويختار زاوية الغياب دون المين والنفاق، ذلك الخبر، هو خبر شاعرتنا اشجان هندي التي لم تجد بدا من ارتداء قميص التعب، ودخول عالم الشعر الذي لا تكف تضاريسه تمتص من ذوات مرتاديها الدعة، والالف، وخفوت ضياء الراحة، وتقلبهم على غضا الالم، وقلق سمو الروح، وفوران احساس الفجيعة، والشك في مسارات الطمأنة، ولوحات البشارة والامل. كل هذا لأن الشاعرة دخلت عالم الشعر وهو يرتدي العذاب والتعب فكانت جهاتها وآهاتها ومواجعها: كنت قد قطَّعت غابات الحصار، وما انتهى حلمي القديم، ولا صحت عيناي إلا كي تضم الغيم، تفرشه على شرفاتها، وتروح تمطره على جدب النيام. «يا جارة الوادي طربْتُ» وعادني في الليل سيلٌ من حمام متظاهرا بالصمت عاد، فهل أطارحه الكلام؟ يا جارة الأحلام تمطر في يدي لغةٌ من الأغلال، والمطر استباح غلالتي، والريح، كل الريح تنفث وقتها في معصمٍ خاوٍ على كف يعفِّره الجليد. وأنا التي.... لم أدر ما حتى تحاشد بين غيم العين فيض من نشيد وأنا التي لم أدْرِ ما سر انطفاء البرق في زمن يريد. يا لون هذا الغيم كم بالباب من نور يضيء فلا يضيء؟ وإلى مشارف ثوبك الليلي كم من ياسمينات تفيء؟ جد صُبَّ واهطل موسما، قصصا، أساطير تناقلها عصافير المسافات البعيدة، يمتطيها هودج الأظعان، يتلوها الرواة على مضاجع نارهم. كيما يصير البن أحلى ويصير وجه القفر أحلى وتصير حبات الرمال فراشةً، غَزْلا من الألوان يهمي فوق قافلة المجيء. حلم قديم عاد يهطلني لأحلم بالنيام يا جارة الوادي وإني كنت قد برَّأت جدب الكف من سقم الكلام، وأفقت والفجر احتمالات معلقة على كتف الظلام. وجدائل المطر الصغيرة كلما رقصت على القيعان جدلها الظما الخوف غول حائم بالباب إن قطَّعتُ من أطرافه طرفًا نما ليظل هدب العين يستجدي المضاجع حين أصرخ: يا جارة الوادي/ دريت فليتني لم أدْرِ **** من قصيدة: الفصل عينان عاريتان من لهبِ المدائن والطريقُ / الطفلُ يرسم عند مفترقِ الخطى عينين في قدمين حافيتين ترتعشان يا [شلَّة] الفصل الذي ينمو على جسدي حبرُُ الرقاعِ دمي، وحروفها كبدي من دسّ لي التاريخ في الكرّاس وهوى على الماصات بالألوان يكتب: كان لي فصلٌ يضيق إذا اتسعتُ، ولم يكن لي أن أضيق، وهْمٌ هي الأرضُ التي إن جاع طفلٌ فوق نهديها استحالت غابةً من خيزران ويدبُّ كالديدان تاريخٌ تعفَّن يا عريف الفصلِ ما شكل الهواء إذا تحطمتِ النوافذُ يا عريف الفصلْ يا طفلاً تحطم في نواظرنا، ونما على هاماتنا عيناً تحاصرنا كأحلامِ الكبار....