نحتاج إلى بعض الوقت ، للخلوة بأرواحنا المجهدة ، نصلح فيه شقوق أركانها التي صدعها الضجيج ، وننعم بهدوء وطمأنينة تسّكن أركانها المتضجرة. بعيداً عن جلجلة شاشات التلفزيون ، و الهواتف المحمولة، و ضوضاء وسائل التواصل المزيّفة ، التي تروج لتوافه الأمور و قتل الوقت بثلمة سكينها طوال العام. فبقدوم شهر رمضان المبارك ،برأيي يعتبر هذا التوقيت المناسب ، لتصفية الذهن التي تتحقق بالإختلاء و الصيام الروحي ، الذي ننقّي به النفس من شوائب الأيام، ونعيد صفاءها الذي فطرت عليه، ونطهّرها ممّا رانَ عليها ، فالإمتثال لفريضة الصوم ، لايتوقف على الإمتناع عن المفطرات فقط ، بل يمتد إلى أعمق من ذلك ،وصولاً إلى ثقة العبد بربه والإخلاص له ،و النفس العفيفة ،التي تقيد جموح الجوارح في الابتعاد عن ماحرم الله ،ففي الصوم تهذيب للنفس البشرية والجسد معاً ،بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:" كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش"، أي ليس له عند الله أجر . فالصوم بالعموم هو عمل غير ظاهر، فلا يعلم حقيقته إلا الله وهو المطلع عليه، من ثم فقد استثنى الله الصوم بقوله في الحديث القدسي: «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» أي: أن الصوم يختلف عن جميع الأعمال التي تحصيها الملائكة ، فخص نفسه عز وجل بالإثابة عليه؛ لأن الصوم عبادة غير ظاهرة ، فيجازي عليها لعلمه بمن أخلص له فيها. وتعتبر النية الطيبة مثال حي للعبادات الروحية،التي تستحضر الروح ،ويكون محلها القلب في احتساب الأجر عند الله تعالى، لننال مغفرته ورضاه كما ورد في الصحيح :"من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وصوم رمضان له فوائده العديدة وحكمه العظيمة منها : تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من سيء الأخلاق ، و تعويدها على الأخلاق الحميدة كالصبر والحلم والجود والكرم، و مجاهدة النفس في هجر الذنوب ، والإكثار من الحسنات التي تتضاعف في هذا الشهر بخلاف غيره . همسة: للجنة أبواب كثيرة ، لكن الريان هو الباب الذي لا يدخل منه إلا الصائمون. والريّان: هو صيغة مبالغة من الري وهو نقيض العطش، أي أن الله خصص للصائمين باباً من أبواب الجنة تكريماً لهم، ومن دخله لا يظمأ أبدًا جزاء ظمئه بالصيام.