العبادات تتفاوت في مواقيتها وعددها وأجرها، فمنها ما فرض كل ليلة خمس مرات كالصلوات، ومنها ما فرض كل أسبوع مرة كصلاة الجمعة ومنها ما فرض كل سنة كصوم شهر رمضان المبارك ومنها ما فرض في العمر مرة واحدة عند الاستطاعة كالحج، ومنها ما فرض عند موجب فريضته وهو الزكاة، ولكل عبادة ما تستحقه من الأجر المقرر عند الله سبحانه وتعالى إلا الصيام، فإن أجره عند الله لا يحد بعدد ولا يحسب بحساب وليس له نهاية لأنه عبادة سرية بين العبد وربه، فالصائم لو أفطر وأخفى إفطاره لم يطلع عليه إلا الله بخلاف بقية العبادات فإنها عبادات ظاهرة يطلع عليها الناس، ولذا يقول الله بخبر رسول الله «الصوم لي وأنا أجزي به»، والصائم يتحقق فيه الصبر، فهو صائم صابر على طاعة الله وصائم صابر عن محارم الله، وصابر على أقدار الله يتجنب ما أحل الله له في غير الصيام من الأكل والشرب والنكاح وغيرها من ملذات المفطرين. والصابرون يوفون أجرهم بغير حساب قال تعالى {إنَّمّا يٍوّفَّى الصَّابٌرٍونّ أّجًرّهٍم بٌغّيًرٌ حٌسّابُ(10) وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك». وفي رواية لمسلم «كل عمل ابن آدم له يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي»، والله سبحانه وتعالى ميَّز الصيام على غيره من العبادات بمضاعفة الحسنات التي هي في غاية الإكرام لعباده الصائمين وهذه الميزات لها دور في تحريك مشاعر من ضعف عندهم الوازع الديني في مجتمعات فشا فيها الفساد فتمدهم بطاقات روحانية تجعلهم يفيقون من غفلتهم، ويطمعون في كرم الله وعفوه ويقبلون على الصيام ويعود إليهم الإيمان، والدين لا يقود الناس إلى الطاعات بالسلاسل وإنما يقودهم إليها بالتقوى.