لم يكن الصيام حكرا على المسلمين فقط، بل مارست أمم العالم القديم الصيام، فكل أمة مارسته حسب معتقداتها وأهدافها. ففي الحضارات القديمة مثل: الروم، البابليون، المصريون القدماء، واليونانيون، فإنه يتمثل في أنه عمل صالح، وتضرعا للآلهه لكشف الضر، ودفع البلاء، والتقرب إليها. أما في الأديان السماوية فإنه شريعة مفروضة، يختلف شكله بين امتناع كامل أو جزئي عن الطعام، وربما شمل امتناعا من الملذات الأخرى. ففي الديانة اليهودية، فهناك «الصيام الأربعيني» عند موسى عليه السلام، وكان امتناعا عن الطعام والشراب لمدة أربعين يوما، كما أوضحت ذلك المتخصصة في علوم القرآن الدكتورة سناء السعداوي، التي بينت أن الله تعالى اختص موسى عليه السلام بها بغرض التقرب إلى الله، واستقبال وحيه، وللاستغفار عن ذنوب اليهود وخطاياهم «وإذا واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون»، لكن اليهود اعرضوا عن ذلك ولم يلتزموا بالصيام الأربعيني، واقتصروا على صيام يوم واحد هو يوم الغفران، وبعد موسى عليه السلام تعدد الصيام عند اليهود، فهناك من التزم بالصوم الأربعيني، وهناك من يصوم عند دفن الميت سبعة أيام، ومنهم من يصوم للضراعة والاسترحام، كذلك لديهم صيام لإذلال النفس وإرهاق الجسد. وكان أهل الكتاب من اليهود يصومون اليوم العاشر من شهر محرم، فلما هاجر النبي محمد عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وجدهم يصومونه، فسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون فنحن نصومه شكرا لله، فقال النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم: «نحن أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه. أما الصيام في الديانة المسيحية، فتشير السعداوي إلى أنه من الأمور الثابتة، وتختلف من طائفة لأخرى، وإن كانت شعائره واحده، فهناك من يصوم نحو ثلثي العام، ومنهم من يصوم أيام معدودات، وآخرون يرون أن الصيام هدف يقرب إلى الله، ولكن تأديته يجب أن تكون سرية، وقد صاموا المسيحيين رمضان زمانا طويلا فصادفوا فيه الحر الشديد، فكان يشق عليهم في أسفارهم ومعايشهم، فاجتمع رأي علمائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السنة بين الشتاء والصيف، فجعلوه في الربيع وحولوه إلى وقت لا يتغير، ثم قالوا عند التحويل: زيدوا فيه عشرة أيام كفارة لما صنعوا، فصار أربعين، ويكون الصيام من أجل تنقية الأفعال، والأقوال، ولمكافحة الجشع والشراهة، ويكون مصحوبا بالصدقات والصلوات والامتناع عن تناول اللحوم طوال اليوم. الصيام في الإسلام أما الصيام في الإسلام، فيؤكد الباحث عبد الله فراج الشريف أنه تهذيب النفس، وتقوية للعزيمة، وإحساس المسلم بأخيه نتيجة لشعوره بالجوع والعطش والتدريب على الصبر. فعن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلا يدخل منه أحد»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله فرض صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، مشيرا إلى أن الصيام في الإسلام له الخصوصية بالانتساب إلى الله بعظيم الثواب، فلا حد لمضاعفة أجر من صام مؤمنا محتسبا، موضحا أن لدى المسلمون صيام السنة اقتداء بالنبي الكريم، فمنه صيام ستة أيام من شوال، 10 ذي الحجة، يوم عرفة، عاشوراء ويوم قبله ويوم بعده، ويومي الاثنين والخميس، وأيام البيض من كل شهر. ويتحدث الشريف عن الصوم في الأديان الآلهية، مشيرا إلى أنه عبادة معتبرة «كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، والظن أن الصوم الذي كتب على المؤمنين في كل الأديان كما هو الصوم في الإسلام، حيث أنه لم يشرع لتكفير ذنب ما، كالخطيئة التي يعتقد المسيحيون إن المسيح عليه السلام تحملها عن البشر، أما اليهود فإنهم يعتقدون بصومهم يكفرون عن خطايا وقعت من أسلافهم أو منهم، ويكلفهم بذلك حاخاماتهم. بل هو عبادة لله محضة، يستجيب بها المؤمن لما فرضه الخالق عليه، فكل العبادات الشعائرية يمكن أن يدخلها الرياء كالصلاة والزكاة والحج والصدقة، ذلك إن كلها يمكن التظاهر بها، فلا دلاله ظاهرة على الصائم وأخرى على المفطر، ومن نعم الله على المسلمين أن الصوم حرمان مؤقت ومحدود الزمان وعظيم الثواب يربي النفوس على الفضائل، والرخصة بالفطرة متاحة عند عدم استطاعة الصوم في المرض والسفر، بل والخشية على النفس أو الجنين في بطن أمه. لهذا فالصوم مختلف في الإسلام عن كل صوم صامه الناس قبلنا.