تعد الثقافة الالكترونية من الأسباب الكامنة، حيث استطاع جيل الشباب- الذى ينخرط فى هذه الثقافة بخطوات واسعة أحدثت فجوة ثقافية بين جيلى الشباب والكبار- التعبير عن آرائهم وخاصة مواقع التواصل الاجتماعى، حيث التواصل والحوارات والمناقشات وتبادل الآراء فى وقت وسرعة وجيزة لايتوقعها جيل الكبار الذين لا يندمجون مع هذه الثقافة القادمة لا محالة، التى أطاحت بمشروعات الحداثة وفكر ما بعد الحداثة. إنها قادمة بقوة وبسرعة فائقة. (1) ولكن ما الثقافة الالكترونية هذه؟ لقد أصبح مصطلح الثقافة الالكترونية أكثر شيوعا فى أبجديات الشعوب فى الوقت الراهن، وهى تعنى المعطيات الثقافية الجديدة لتداعيات استخدام تكنولوجيا الاتصال الجديدة مذهلة التطور، والتى وفرت وقتا وجهدا وسرعة فائقة، واستخدامها فى الحياة اليومية والمعاملات والتفاعلات والأدوار المؤسسية والمجتمعية والتى يعد استخدامها مؤشراً للتطور الحضارى، وبذلك فرضت نفسها كمكون أساسى من مكونات الثقافة الحضارية العالمية. لقد مرت الثقافة الغربية بمراحل تطور تاريخية من ثقافة تقليدية إلى ثقافة خيالية إلى ثقافة واقعية ثم إلى الحداثة ثم إلى مابعد الحداثة، وأخيرا الثقافة الالكترونية التى عززتها أدوات تكنولوجية حديثة وميديا أثرت فى انتشارها وغزوها بقاع المعمورة فى فترة زمنية وجيزة، كما ساعدتها بعمق العولمة الثقافية التى صنعت منها مكونا أساسيا من مكونات الحضارة العالمية الحديثة، وكأن عصر الحداثة وما بعد الحديثة بمشروعهما وفكرهما تراجعا إلى غير عودة ، وحلول عصر جديد وثقافة جديدة هى الثقافة الالكترونية، والتى بدأت تغزو العالم وبدأنا نسمع ونرى ونتعامل مع الحكومة الالكترونية والصحف الالكترونية والتعليم الالكترونى والبنوك الالكترونية والصفقات التجارية وارسال المراسلات واجراء الاتصالات الهاتفية صوتا وصورة ومواقع التواصل الاجتماعى التى تحفز وتعبئ الجماهير تجاه فكر وقضابا محددة، كما ظهرت المجتمعات الافتراضية والجماعات والمجموعات الافتراضية والسفارات الافتراضية والخدمات الافتراضية سواء للمشكلات والقضايا الفردية أو الأسرية أو الجماعية أو المجتمعية حتى العالمية أيضاً، إن الثقافة الاكترونية بذلك ساعدت على بناء مجتمعات ومنظمات وجماعات افتراضية تنمو ويزداد حجمها الساعه تلو الأخرى، وهى ليست مغلقة، والمشاركة الإيجابية للمتلقى وشعوره بالحرية، وحرية وإمكانية المقابلة الاكترونية فى الفضاء الكونى، وباختصار فإن هذه الثقافة غيرت كثيراً من الطريقة التى تحيا بها الشعوب وتفاعل الأفراد ومشاركتهم. (2) ولكن هل مهدت ثقافة الحداثة وما بعد الحداثة لظهور الثقافة الالكترونية؟ كان للحداثة رؤيتها عن الوجود والفكر والمجتمع ودعمت فلسفيا الفردية وفكرة التقدم الانسانى واعتمدت على العقل والعقلانية والحتمية فى التاريخ والطبيعة، وإن المعيار والمرجع الأساسى لكل معرفة العقل النقدى والحسابى. ثم جاء عصر مابعد الحداثة- خاصة بعد تداعيات الحرب العالمية الثانية وآثارها على الإنسانية– كحركة فكرية تقوم على نقد الحداثة والتشكك وعدم الثقة فى المبادئ الكلية والشاملة التى تقوم عليها الحضارة الغربية الحديثة، ودعم التسليم بالمبادئ والمعتقدات الفكرية لفكر الحداثة، ورفض الأسس والمسلمات التى تقوم عليها الحضارة الغربية الحديثة، وأن الزمن قد تجاوز هذه الأسس والمسلمات وكأنها فى مرحلة أعلى من الرأسمالية التى قامت عليها الحضارة والدعوة لإقامة مجتمع جديد يرتكز على أسس غير تلك التى ارتكز عليها المجتمع الغربى الحديث. وواكب كل ذلك تطورات الميديا وتكنولوجيا الاتصال المذهلة وتداعيات العولمة الثقافية وصحوة منظمات المجتمع المدنى العالمى، لتبنى الحقوق الإنسانية والدفاع عنها فى بقاع المعمورة، وتأثرت بذلك ثقافة مابعد الحداثة بتقدم العلوم والتكنولوجيا السريع ورفضت فكر ونظريات الحداثة كاللبرالية والديمقراطية، غير أنها لم تعالج قضايا كالحرية والعدالة، ولذا كان التفكير فى ثقافة جديدة للمجتمع الانسانى، وأن فكر ومشروعى الحداثة ومابعد الحداثة غير ملائمين للعصر الجديد. وعزز ودعم ذلك تقدم العلوم وتكنولوجيا الاتصال السريع والعولمة بروافدها الثقافية، التى جعلت العالم قرية واحدة ، انصهر كل ذلك ومهد للدعوة لثقافة جديدة هى الثقافة الالكترونية التى يجب أن تضع مبادئها وأسسها وفلسفتها وخصائصها لبناء مجتمع جديد وحضارة إنسانية . (3) ولكن ما المبادئ والأسس التى تقوم عليها الثقافة الالكترونية؟ تقوم الثقافة الالكترونية وتنهض على مجموعة من المبادئ والأسس تتحدد فى : 1- يمكن تطبيق الثقافة الالكترونية على كافة النظم المجتمعية . 2- الموضوعية والجدية والتفاؤل كثقافة من نوع جديد ومن شواهد ذلك المنتديات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى. 3- حرية المقابلة الافتراضية الالكترونية فى الفضاء الكوني، ومن شواهد ذلك المجتمعات والمنظمات والمجموعات الافتراضية. 4- حرية تكوين مجتمعات ومنظمات ومجموعات افتراضية غير مغلقة ولكن تتوسع تدريجيا من أعضاء غير متجانسين عمريا أو تعليميا أو جغرافيا. 5 – احترام وتقدير المتلقى المستفيد كإنسان. 6- مشاركة المستفيد المتلقى فلم يعد سلبياً متفرجا. 7- حرية المستفيد المتلقي بشرط عدم الإضرار بالآخرين. 8- فتح المجال واسعا للإبداع والموهبة والابتكار والخيال الإنساني. 9- ربط أجزاء المعمورة فى قرية واحدة. 10- نشر مفاهيم الولاء والانتماء وحب الوطن والوطنية، وجمع الشمل والمواطنة والحرية والعدالة والمساواة، وقد ينجح كل ذلك في الدول النامية وأكثر نجاحا مع فكر الشباب.