تصوير محمد شمسان .. البروفسورعبد الله حسين باسلامة علم من أعلام المملكة، ورمز من رموزها التي ساهمت في بناء النهضة الصحية والتعليمية ومثال للاجتهاد والمثابرة طوال مشواره الذي نقشه بحروف من ذهب حتي وصل إلي قمة الهرم، تقلد كثيرا من الأوسمة المحلية والدولية، وتسلم العديد من الجوائز، كل ذلك لم يزده إلا تألقا وبريقا.. لم تغيره الشهرة التي وصل إليها ولم يحد عن مبادئه التي تربى عليها منذ الصغر، بل علي العكس زادته تواضعا وعطاء، له مؤلفات باللغة العربية (أحد عشر كتابا) كما ساهم في كتابة فصول بعض المراجع الطبية الامريكية، نشر له (45) بحثا في المجالات المحلية والعالمية، شارك في العديد من المؤتمرات العلمية بالمملكة وخارجها، له مساهمات عديدة في مجال الطب الإسلامي وشارك في كثير من المجامع الفقهية والإسلامية، وله فيها أبحاث علمية، التقت معه جريدة (البلاد) فكان لنا معه هذا الحوار: حدثنا عن البداية كيف كانت؟ ولدت في حارة الباب احد حواري مكةالمكرمة القريبة من الحرم. وكانت اغلب حواري مكة في ذلك الوقت بدون كهرباء ولم يتوفر التيار الكهربائي في منزلنا حتى وصلت إلي المرحلة الثانوية. عندما بلغت السادسة من عمري بدأت والدتي باصطحابي معها إلي الحرم المكي الشريف بنوره الدائم وأيضا ما كان يحيط به من مصابيح كهربائية حيث نقوم باستذكار دروسنا علي ضوئها. ذكريات الدراسة والزملاء وأساتذتك كيف لو عدنا بك إلى ذلك الزمن البعيد؟ كانت العلاقة التي تربط الطالب بأستاذه علاقة تقدير واحترام وإجلال فكان هو المربي وهو المعلم وعلي رغم وجود الكتاتيب إلا إنني لم ألتحق بها بل التحقت بمدرسة العزيزية الابتدائية والتي تقع بالشامية بجوار الحرم وكان مديرها المربي الفاضل الأستاذ محمد شطا، وكان يتصف بقوة الشخصية وأناقة المظهر والهندام ومن مدرسيها الأستاذ /عبد الله دردوم،والأستاذ محمد كردي، الأستاذ عبدالله مرزا، أما زملاء الدراسة فأذكر منهم الفريق أول صالح بن طه الخسيفان والدكتور يوسف ملائكة، وجعفر السباغ، ومحمد عريداتي، ومحمد الشاوي،واللواء صالح السديس وغيرهم. أما اساتذتي في تلك المرحلة فمنهم فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله وكان يدرس بكلية الشريعة المجاورة لمدرسة تحضير البعثات، ومن وقت لآخر كان يدرسنا الإنشاء واللغة العربية والمحفوظات ويشرف علي المسامرات الأدبية وكان مدير المدرسة في حينها هو الشيخ احمد العربي وقد تلقيت دروسي علي أيدي أساتذة أفذاذ أدين لهم بالفضل. لابد أن هناك صعوبات ومعوقات واجهتك آن ذاك. في الحقيقة كانت كثيرة لأن والدي كان شخصية كبيرة ومؤلفا وعالما من العلماء الكبار.. وقبل نصف ساعة كان الأمير سلمان أمير منطقة الرياض حفظه الله يكلمني، وقال لي بأنه يقرأ مذكرات والدي..ولكن بعد وفاته رحمة الله عليه ترك فراغا كبيرا وأصبحت الوالدة هي التي تتولي المسؤولية.. وحيث ان إخواني من والدي لم يتلقوا نصيبا من العلم ذهبت مدخرات الوالد في سنوات قليله فأصبحنا في حالة اجتماعية ومادية صعبة للغاية.. واذكر ان الأستاذ /عبدالله غزاوي وهو مدير إداره، قال لي تعال يا عبدالله وسألني هل أنت تأخذ المكافأة الخاصة باليتامى من الحكومة وأنت تدرس؟ فقلت له: لا. فقال: خلاص اكتب لي ورقة صغيرة فصار يصرف لي جنيها أو جنيهين ونصفا ذهبا وكان مبلغا مساعدا.. ومن الصعوبات الأخرى لم نكن نعلم بأن للوالد راتبا تقاعديا.. فأخذنا جدي أنا وأختي إلي قصر الملك عبدالعزيز الذي كان في المعابدة ودخل علي الملك عبدالعزيز وقال له هؤلاء أولاد حسين باسلامة لا يوجد من يصرف عليهم ولم يصرف لهم الراتب التقاعدي واذكر بأن الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه أجلسني أنا وأختي علي حجره وقال ما يصير هؤلاء أولاد حسين باسلامة ولا يصرف لهم التقاعد وأمر بصرف الراتب التقاعدي وقدره مائه وخمسون ريالا.. وغيرها الكثير من الصعوبات. درست في القاهرة وحصلت علي الدكتوراه من ألمانيا..كيف بدأت حياتك العملية بعدما رجعت إلى الوطن؟ لقد تم تعييني مباشرة في اليوم الثاني من عودتي من ألمانيا حيث طلب مني وكيل وزارة الصحة آن ذاك الدكتور هاشم عبدالغفار وهو القائم بأعمال الوزارة بما فيها مهام الوزيرين أتوجه إلي الرياض وان اعمل في مستشفي الشميسي المعروف حاليا بالمستشفي المركزي. وحينها لم يكن في جيبي مائة ريال فأمن لي زوج أختي السيد حسن فتياني مشكورا تذكرة السفر إلي الرياض بينما منحتني الوالدة ما استطاعت جمعه لتدبر مصاريف وأعباء السفر. لتقلع بي بعد ذلك الطائرة متجهة إلي الرياض معلنة رحلة جديدة من مشوار حياتي. ولماذا اخترت هذا التخصص تحيدا؟ لتخصصي في مجال النساء والولادة قصة لها شجون ففي احد سنوات دراستي الأولى وبعد وصولي إلي مكةالمكرمة علمت ان ابنة أخي الوحيدة والتي لم تتجاوز العشرين من عمرها في وضع خطير بعد تعثر ولادتها الأولى وقد نقلت إلي مستشفي الولادة والأطفال بمكةالمكرمة فذهبت للاطمئنان عليها ولكن للأسف وجدتها قد فارقت الحياة وذلك نتيجة نزف شديد صاحب ولادتها في ظل عناية طبية غير مكتملة ورعاية صحية غير فاعلة تاركة خلفها طفلة صغيرة وقد كان لتلك القصة انعكاساتها لتحويل مساري لأمراض النساء والولادة وتموت لدى فلسفة تتلخص في التالي"ليست مهمة الطبيب أن يؤخر الأجل بل ان مهمته أن يعمل على تحسين حياة المريض" هل تذكر أول عمليه جراحية قمت بها؟ أول عملية عملتها كانت عمليه انفجار في الرحم. حيث وصلت تلك الحالة إلى مستشفى الشميسي بعد أن تركوها حتى تعسرت وحصل لها انفجار في الرحم والحمدلله أجريت لها العملية ونجحت وعاشت الأم ولكن الجنين توفى، وكانت هذه العملية الأولى. كثير من الامراء والأميرات تمت ولادتهم علي يديك صف لنا شعورك بعد العملية بكل صدق وبكل أمانه كان هؤلاء الناس يشعروك بأنك واحد منهم ولست غريب عنهم أبدا وكم أنا فخور بأن من الله علي بأن كنت أول المستقبلين لأكثر من 200 مولود من الأمراء والأميرات منهم الآن من هو في اعلي درجات المسؤولية ومن الأميرات من إذا رأتني اليوم تدعوني بابا عبدالله. كثيرون يصابون بالغرور عندما يصلون لأعلي المراتب والمناصب. ضحك ثم قال الحمدلله أنا لم يصبني الغرور أبدا فأنا شخصيتي لم تتغير وتربيتي الأساسية مبنية على التواضع والحب وأعرف من أين بدأت وكيف كنت واعرف مستوى عائلتي وأهلي، ولكن الحمدلله لم يصبني الغرور. يقال ان أحد الأطباء انتحل شخصيتك، ما قصة هذا المنتحل؟ هو رجل باكستاني قد اخذ الجنسية السعودية يدعى بهاتي وهو يجيد العربية ولكنه يجيد الانجليزية تماما. ففي إحدى المرات دعا المكتب الثقافي البريطاني في جدة عميد كليه الطب لحفل استقبل في القنصلية البريطانية فذهب الدكتور بهاتي إلي هذا اللقاء وقدم نفسه للحضور وكان معظمهم من الأجانب علي انه عميد كليه الطب الدكتور /عبدالله حسين باسلامة وشارك في النقاشات والحوارات، ولم أكن اعلم بذلك.. حتى زارني في مكتبي المستشار الثقافي البريطاني فعندما دخل إلي مكتبي اخذ ينظر يمينا وشمالا ثم سأل بأدب أين العميد فقلت له أنا العميد فقال أليس هناك عميد آخر فأجبته بالنفي جلس في حيره وتردد وفي تلك اللحظة وعن طريق الصدفة دخل علينا (بهاتي) وسأله المستشار من منكما العميد وبالطبع أشار إلي الدكتور بهاتي وانصرف.. عبد الله باسلامة كاتب وأديب.. متى دخلت هذا المجال وكيف جمعت بين الأدب والطب؟ في الحقيقة بدأت الكتابة في جريدة (البلاد) وذلك بطلب من رئيس تحريرها آنذاك الأستاذ عبد المجيد شبكشي وقد طلب مني كتابة عمود في الجريدة ودعاني بان أسميه (وقفه)وفعلاً بدأت بعمود واثنين وتوالت الكتابات من ذلك في جريدة (البلاد) واستمريت في (البلاد) لمدة سنتين تقريبا أو أكثر وبعد ذلك كتبت في جريدة المدينة والمسلمون والشرق الأوسط وعكاظ وكانت عكاظ هي آخر جريدة توقفت عندها عن الكتابة في الصحف واتجهت إلى تأليف الكتب. حيث ألفت (احد عشر كتابا) منها كتاب سيدتي الحامل،وقفة،حكاية جبلين،إيمان وتمني،الرؤية الاسلامية لبعض قضايا الفقه، لحظات حرجة في حياة المرأة، مواقف وذكرى، قضايا طبية من منظور إسلامي، مذكرات طبيب.