كثيراً ما أتساءل، ما هو العجز ؟؟ هل هو شكل ظاهري، يُتيح للآخرين أن ينظروا نحونا بالعطف والشفقة، والدعاء لنا بالشفاء ..؟؟ هل هو ذلك المظهر الذي يتيح لنا الحصول على بطاقة نعلقها في مقدمة سياراتنا، لتمنحنا حق الوقوف والاصطفاف في المواقف القريبة جداً في أي مكان نذهب إليه..؟؟ أم أن العجز شكل خاص من الأشكال التي لا يمكن لأي عقل أن يراها أو يتصوّرها..؟؟ إنها حالات غير طبيعية يمرّ بها الفرد منا في لحظات عصيبة من حياته، تجعله يشعر بالعجز الشديد، والكسل والخمول، وربما هو ما أطلق عليه العلماء ظاهرة الاكتئاب..؟؟هو حالة تجعلك تشعر بأنك ملتصق بفراشك ووسادتك بغراء قوي المفعول، بحيث لا يمكنك حتى أن تتحرّك من ذلك الفراش، أو تفتح عينيك العاجزتين حقاً عن الحركة، رغم أنك تتمتع بجسد سليم، وأطراف صحيحة كاملة، وعينين حادتي البصر أحياناً ..؟؟ هذا العجز، هو ما يجعلك تتمنى لو أن هناك جهازاً خاصاً من الأجهزة التي تطلقها التكنولوجيا في أيامنا هذه، فقط ليقرأ أفكارك ويدوّنها قراءة وصوراً، وصوتاً أيضاً، حتى لا تضطر أنت إلى أن تعلن عما تريد، وما ترغب في قوله أو طلبه.إنه ما يعتريني دائماً، في هذه الفترة من الزمان، بعد أن تجمدت الكلمات والسطور بداخلي، وأصبحت صعبة البلوغ والمنال، وكأنها تترقبني لأتذلل لها، وأستجديها بالانطلاق والخروج من قوقعتها المغلقة بداخلي، ذلك العجز الذي يمنعني من الإمساك بقلمي الرصاص، والتسطير على الدفاتر الجديدة، ذات الصفحات البيضاء، والتي تفخر بلونها الناصع والمفقود في مكاتب الأدباء والمفكرين.. أو حتى محاولة الطرق على لوح الكتابة في الكومبيوتر الصغير الذي يرافقني في حلي وترحالي، وهو قابع في حقيبته السوداء، دون أن يخرج ليتمتع ببعض الهواء العليل، والكلمات الصافية، والسطور المليئة بنسائم النهار الجميلة المنعشة. ذلك العجز، هو الذي يجعلني غير قادرة على رؤية ما هو أبعد عن قدمي، رغم أنني لا أشكو من أي علة في بصري، سوى ما يُصيب الآخرين ممن تجاوزوا بعض العقود الطويلة من الزمان. هل مررت مثلي بلحظات تقف فيها كالأبله (وعذراً لهذا التشبيه)، حيث تجد نفسك عاجزاً عن اختيار الكلمات المناسبة للردّ على من أمامك، عاجزاً عن معرفة معنى ذلك السؤال المطروح عليك رغم أنه بديهي جداً..؟؟، عاجزاً عن التركيز معهم، عن متابعتهم في نقاشهم وحوارهم، رغم أنك لا تعاني من أي خلل في عقلك أو نشاطك العقلي والفكري ..؟؟ هو ذلك العجز الذي يمنعك حتى من الردّ على رنين هاتفك الصغير، أو محاولة معرفة الرسائل التي تحويها تلك الذاكرة الإلكترونية، أو حتى قراءة بريدك الإلكتروني، والذي يطلق لك إشارات بين كل آن وآخر مترجياً منك رحمته، وإطلاق تلك الرسائل الكثيرة المتراكمة من بين ملفاته القابلة للانطلاق دون عودة.. وحين يطلب مني إبداء الرأي، أجد نفسي في وادٍ آخر غير الوادي الذي هم فيه، وفي عالم آخر ليس موجوداً على خريطة الكرة الأرضية.. عالم يتسم بالفراغ الكبير بين كل حرف وآخر، بين كل كلمة وأخرى، بين كل سطر وآخر.. تُرى هل يوجد هذا العالم حقاً، أم أنه في ذهني أنا فقط ..؟؟ تُرى هل هي الحياة بكل ثقلها وكل أحمالها، توقف لنا أنشطتنا الحركية والفكرية في الكثير من ساعات العمر، لتطلب منا التوقف عن كل شيء.. حتى عن الشعور بالعجز !!