الورقة الأولى: الطقس والفصل: قد لا آتي بجديد في الكتابة عن (الصيف) فهو فصل لاهِب مُلْتَهِب، حتى أن العامة قد أطلقَتْ على أحد شهوره (آب اللّهاب)، وآب هو شهر أغسطس الساخن الذي حظي بعدد كبير من الكتابات قديما وحديثا، وأتذكر منها بيتين طريفين للشاعر ابن الرومي (221 283ه)، يذكر فيهما شهر (آب) ويقول: شهرُ الصيام مُبارَكٌ ما لم يكن في شهر (آب) خفتُ العذابَ فَصُمْتُهُ فوقعت في نفس العذاب! وصيفنا في الأحساء والشرقية ودول الخليج بشكل عام (طَقْس)، لا (فصْل).. قطعةٌ من العذاب الذي لا يُطَاق والحمد لله على كل حال ، وهو يبدأ من الناحية الفعلية (أي منذ بداية الحاجة الحقيقية لتشغيل أجهزة التكييف) من أواخر شهر أبريل حتى نهاية أكتوبر على أبعد تقدير. أما الصيف (فصلا) فهو خلال الفترة المعروفة فلكيا التي تبدأ في الشرق الأوسط من منتصف يونيو، حتى منتصف سبتمبر.. الورقة الثانية: العمل والعقل والحالة النفسية: تَبَيَّنَ من واقع التجربة، والحالة المُعاشة أن الروح والنفس تصدّ في هذا الفصل عن انجاز كثير من الأعمال، أو حتى القيام بأصغرها (ولا أقول تتوقف)، بل ترنو إلى الراحة والاستجمام والْتِقاط الأنفاس بعد عناء طويل ،وأعمالٍ تمّ القيامُ بها في فصل الشتاء، ولهذا تكثر الإجازات في الصيف وتكون العطلة المدرسية الأساس فيه كما هو معروف ، ولا تكون في الشتاء، وإن كنا في المملكة نتوقف لبعض الإجازات الشتوية للمدارس، وما أكثرها !. وقد رأى علماء التربية والاجتماع والنفس منذ وقت مبكر أن العقل يشاركُ البحر في المَدّ والجَزْر، فالعقل كما يقول أولئك العلماء يكون في الصيف في حالة جَزْر، وفي انحسار نسبي للاستيعاب والرغبة في تلقي المعلومة أو الدرس أو الحفظ أو غير ذلك، ولذا أجمعوا على أن يكون الصيف في (أغلب) دول العالم إجازة للمدارس والمعاهد والهيئات العلمية والجامعات، وفقا لنظرية (الجَزر العقلي). ولذلك أيضا.. فقد يجد الكثير منا عدم رغبته من الناحية النفسية في القيام بعمل أو إنجاز ما، كلما لَفَحَهُ لهيب الصيف، ولولا نعمة الله علينا بالمُكَيِّفات في هذا الجو الناري لكنا خَبَراً بعد عَين، كما يقولون، واسأل الله تعالى أن يعين كل شخص تجبره ظروف عمله أن يعمل تحت الشمس في الصيف. ويمكنك يا عزيزي القارئ أن تأخذ كلّ ذلك (معكوسا) على فصل الشتاء، صديق الشعراء ،الذي يكون فيه العقل في أَوْج مَدِّه، وقبوله واستيعابه وإدراكه وإعماله لكل شيء، ولهذا ترى الدراسة والدورات التدريبية وانطلاق المشاريع، والمواسم الثقافية والفكرية والاقتصادية وغيرها.. لا تحلو، ولا تعمل إلا في الشتاء أو الخريف، فسبحان الله الخالق الذي جعل سببا لكل سبب. ويكاد الناس يجمعون على حبهم الشتاء، رغم أن الدفء المطلوب فيه هو إحدى سِمات الصيف ولكنه- أي الشتاء- منعش، وقابل للعلاج والتكيّف والمصالحة، ومناسب حتى للدخول في قصة حب جديدة..! لكن ماذا بوسعك أن تعالج في الصيف وفي لهيبه؟ الزبدة.. إنني لا أحب الصيف، ولا لهيبه، وقد يشاركني في ذلك الكثير.. صحيح أن في الصيف نأكل الرطب، والجِحّ (الحَبْحَبْ/ الرَّقِّي)، والبطيخ، وبقية الثمار الصيفية (الحساوية)، لكنني والله أتنازل عن ذلك كله.. لقاء نسمة هواء باردة.. وحسب لهيب الصيف أن الله تعالى جعله إحدى رياح النار، نعوذ بالله منه ومنها.. الورقة الثالثة: الصيف والسَّيْف: والناس تَخُفُّ من كل شيء إلى كل شيء في الصيف الخليجي.. يحضر بيت عنترة الذي يلسع بسياط مشاعره العجيبة لهيبا من نوع آخر، وقد نَزَفَهُ، وهو يخوض معركة (صيفية)، وهو قد مَزَجَهُ بلهيب سيفه، وقلبه.. فَهَدَرَ: ولقد ذَكَرْتُكِ، والرّماحُ نواهلٌ مِنِّي، وبِيضُ الهند تَقطُرُ من دمي! فَوَدَدْتُ تقبيلَ السّيوف.. لأنها لَمَعَتْ كبارق ثغركِ المُتَبَسِّم! أيُّ جنون هذا؟!، لهيبُ الشوق، ولهيب العَتاد، ولهيب الدم، ولهيب الثغر، ولهيب الحرب، ولهيب الحالة..! أتمنى لكم وقتا ممتعا خارج لهيب الصيف وداخل نسيم الشتاء..