في الوقت الذي استرخى فيه ركاب الطائرة على مقاعدهم وراحوا يتبادلون الأحاديث والضحكات ، ويعين بعضهم بعضاً في ربط الأحزمة ؛ دخلت وأنا أحمل بين ذراعي ابنتي ذات الست سنوات ، كنت أحملها لأنها لا تستطيع السير على قدميها بشكل طبيعي الأمر الذي ترك في نفسي غصة مشحونة بألم ، ليس لأني استثقلها حينما أحملها فهي والله على قلبي أخف من الريشة ، إنما لأني لا أملك لها من الأمر سوى أن أحملها فقط ، على هذه الخلجات الذاتية كنت أتهادى عبر الممر الفاصل بين مقاعد الركاب أبحث عن مقعدينا ، وإذ بي أجد شابين يجلسان فيهما ، وكأن ما أنا فيه من بؤس لم يكن ينقصه سوى هذه الوقاحة !! لو سمحت يا أخ .. هذا مقعدي وهذا مقعد ابنتي . ..؟؟ نعم ؟؟ طبعاً تعرفون ماذا تعني نعم عندنا نحن السعوديين ؛ والتي تعني تستهبل أنت ووجهك ، ورغم ذلك تمالكت نفسي وكررت ما قلته ، فقال أحدهما رح دور مقعدك ولا تبتلينا ، قلت أنا الآن من يبتلي الناس أم من يسابق الناس على مقاعدهم ، فقال الآخر تأكد الله يرضى عليك وتذكروا أنكم صائمون ، فالتفت مرة أخرى على الرقم الموجود على بطاقة الصعود والذي كان 33 سي وقارنته بالموجود فوق المقعد فإذ به 32 سي !! نعم ..إنه أنا من اقتحم خصوصية هذين الشابين .. أنا من مزق هدوءهما ونغص عليهما لحظات متعتهما بالاستعداد للإقلاع ، لقد تسرعت وهذه النتيجة ، امتعاض وصخب وندامة وخجل ، اعتذرت لهما ثم انتقلت لمكاني مصحوباً بمشاعر سيئة أخرى حيال نفسي. كثير من أمورنا المجتمعية قريبة الشبه من هذا الموقف ، نظرة ابتدائية خاطفة ومشوشة..تكون عادة أقرب للخطأ من الصواب ، ثم عليها تبنى استجاباتنا وانفعالاتنا وردود أفعالنا ، وحينما تقع الفأس في الرأس ندرك أن ذلك كله بسبب نظرتنا القاصرة .. لذلك يقال بأن الندم على التقصير في فعل أمر جيد أفضل من الندم بعد فعل أمر سيئ سيما لو كان هذا الفعل مؤذ ويمتد أثره السلبي ليصيب قريباً أو صديقاً لنا.. لا شك أنها مصيبة..ومن أراد أن يتأكد فليسأل أولئك الذين يقبعون خلف القضبان..أي ثمن دفعوه لنظرتهم الأولى المشوشة للموقف الذي أدخلهم السجن ..وكيف غدت تلك النظرة أكثر وضوحاً الآن.. لكن بكل أسف بعد فوات الأوان .. مثلي الآن على الرحلة رقم sv1695 . @ad_alshihri [email protected]