أحدهم طرح سؤالاً لا عفوياً في ليلة كنا قد خصصناها أنا والرفاق للسهر على شرف اليوم الوطني يقول : هل تعتقدون أن بعض المسؤولين لا يدركون قيمة وحجم ما هم فيه من مسؤولية وطنية تجاه وطنهم..وتجاه مواطنيهم.. وقبل ذلك تجاه ربهم الذي خصهم دون غيرهم بهذه المناصب؟ طبعاً السؤال لم يكن موجهاً لأحد بذاته.. إنما كان سؤالاً تنفيسياً استفهامياً تعجبياً تهكمياً يفترض بأن نقفل به محضر تلك السهرة المتخمة بحكايات غير مسلية عن بطل اسمه المسؤول في جزيرة نائية تعرف ب المسؤولية.. المهم أن أحداً من الحاضرين لم يكترث لهذا السؤال.. هكذا كنت أظن.. ربما لأننا مواطنون عقلاء يدركون تماماً أن ما نحن فيه من مشاعر الابتهاج باليوم الوطني تجعل مثل هذا السؤال غير جدير بالطرح.. وربما من باب حسن الظن في وطنية المسؤولين نرى أن مثل هذا السؤال (عيب).. كيف لا يدرك المسؤول دوره الوطني؟ يا له من سؤال سخيف.. جميع المسؤولين يجب أن ندرك أنهم - رغم أنوفنا – دائما يدركون.. ودائما لأوضاعنا وهمومنا يتلمسون. لم يطل صمتنا.. فقد كسره صياح أحدهم على حين غرة وبكل صفاقة قائلاً : لماذا لا تجيبون عن السؤال؟؟ المسؤول يا حضرة السائل لا يدرك ولا يمكنه أن يدرك.. عندك مثلاً مسؤول وزارة الصحة.. كيف تريد منه أن يدرك وهو لم يتوجه يوماً إلى المستشفى ليطلب العلاج له أو لولده أو لأحد أبويه فيقولون (موعدك بعد ثلاثة شهور) أو حينما تستدعي الحالة التنويم يقولون (لا يوجد سرير)؟ هو لا يرى هذه الأمور !! لو رآها لكان مدركاً. يا سادة مشكلة المسؤول الكبرى أنه يجد مطلبه ليس على طول.. بل على عرض ومن تحت ومن فوق.. بمعنى أن سلاسة حصوله على ما يريد وقت ما يريد فرضت عليه صفة عدم الإدراك رغماً عنه ؛ لأقرب الصورة أكثر وأكثر.. المواطن يشعر بالفرق بين سعر الأمس وسعر اليوم ويدعو ربه أن يلطف به إزاء أسعار الغد فهل من مسؤول ما في وزارة التجارة تراه يتقلب على مثل هذه الوسادة؟ بلاش هذي.. هل سمعتم بوزير التجارة اضطر يوماً أن يقوي ويحسّن علاقاته مع (البنغالي) في البقالة لكي يؤجل وقت السداد حتى آخر الشهر؟ بلاش هذي.. هل سمعتم بمسؤول ما في وزارة البلديات أو في وزارة الإسكان.. نظر يوماً إلى المخططات السكنية وقلبه يكتظ بالحرقة والألم لأنه لن يستطيع أن يحقق حلمه بامتلاك أرض فيها.. تخيلوا أمين إحدى المحافظات تسأله (وش حلمك طال عامرك)؟ يرد عليك بعد زفرة طويلة : أمتلك أرض !! طبيعي جداً.. أن الصحيح المعافى يتصور أن الجميع في مثل صحته.. والشابع يتصور أن الجميع متخمون.. والذي يملك بيتاً أو سيارة يتصور أن الجميع مثله , ما أن انتهى صاحبنا من كلامه حتى ساد المكان الصمت.. وخيم الوجوم على وجوه الحاضرين.. قلت له : بالله هذا كلام يقال في ليلة ابتهاجنا باليوم الوطني.. عاجبك الوضع؟ شوف كم من النكد تركته على وجوه الحاضرين.. وذاك الهم الذي غرسته في قلوبهم.. وذاك الضيق اللي حشوت به ضلوعهم.. وذاك الأسى الذي يلف عيونهم.. رح يا شيخ منك لله. @ad_alshihri :twitter