زعيم صرب البوسنة السابق رادوفان كارادزيتش الذي ألقي القبض عليه الاثنين رأي في نفسه مدافعا عن الصرب خلال الحرب البوسنية التي استمرت بين عامي 1992 و1995 لكن انتهى به المطاف مطلوبا إلقاء القبض عليه بتهم تتصل بالإبادة الجماعية . وكانت السنوات الاحدى عشرة التي قضاها طليقا حجر عثرة في طريق طموحات صربيا بالانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي . أصبح الطبيب النفسي المحترف والشاعر الهاوي الذي ينحدر من أصول متواضعة رئيسا لجمهورية صرب البوسنةالمعلنة من جانب واحد قبل أن تبدأ القوات التابعة لحلف شمال الأطلسي في إلقاء القبض على المشتبه بهم المطلوبين من قبل المحكمة الدولية لجرائم الحرب في لاهاي عام .1997 ومن بين الجمهوريات الست التي تألفت منها يوغوسلافيا الاتحادية دفعت البوسنة الثمن الأغلى من أرواح ابنائها من أجل الاستقلال واعتبر الصرب في عهده مسؤولين عن معظم وقائع القتل التي بلغت 100 الف . ووجهت المحكمة في لاهاي اتهامات لكارادزيتش في يوليو تموز عام 1995 لتفويضه بإطلاق النيران على مدنيين عزل من سراييفو وجعله من أفراد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة رهائن . ووجهت له اتهامات مجددا بعد ذلك بأربعة اشهر لإشرافه على مذبحة قتل فيها نحو ثمانية آلاف مسلم بعد أن سيطرت القوات الصربية على سربرينيتشا التي كانت في ذلك الوقت " منطقة آمنة " خاضعة لسيطرة الأممالمتحدة في شرق البوسنة .واحتج كارادزيتش ودفع ببراءته ورفض المحكمة باعتبارها " محكمة سياسية " .لكن في عام 1997 بعد أن فقد السلطة اختفى عن الأنظار وحتى يومنا هذا يعتبره الموالون له مخلصا للصرب وبطلا تلاحقه قوى أجنبية . ولد كارادزيتش في 19 يونيو حزيران عام 1945 في قرية جبلية صغيرة في الجبل الأسود ونشأ في فقر على أيدي ابوين كانا يمقتان الحكم الشيوعي للرئيس اليوغوسلافي جوزيب بروز تيتو .وكان والده مقاتلا صربيا قوميا أصابه أنصار تيتو بجروح في نهايات الحرب العالمية الثانية وسجن . انتقل كارادزيتش في شبابه الى العاصمة البوسنية سراييفو وتأهل كطبيب نفسي متخصص في العصاب والاكتئاب .وفي احدى المراحل كان الطبيب النفسي الخاص بنادي سراييفو لكرة القدم . نشر أشعارا وعاش حياة كريمة في المدينة لكن النخبة من المفكرين والكتاب البارزين فيها لم تتقبله تقبلا تاما قط .ومع بدء تفكك يوغوسلافيا المتعددة الأعراق في أواخر الثمانينيات عقب وفاة تيتو كان سلوبودان ميلوسيفيتش يثير الحماسة القومية بين الصرب وكان كارادزيتش يصادق الأكاديميين والكتاب الذين تحدثوا عن إقامة صربيا أعظم . اختاره أتباع ميلوسيفتش لقيادة حزب جديد باسم الحزب الديمقراطي الصربي في البوسنة .وكان من المستهدف أن يكون بديلا مؤقتا لكنه أثبت ذكاءه وظل في السلطة .ومع انهيار يوغوسلافيا ساعد حزب كارادزيتش في تسليح الصرب في أنحاء البوسنة وإنشاء مناطق ذات حكم ذاتي بمساعدة من الشرطة والجيش اليوغوسلافيين .وعشية الحرب عام 1992 حذر كارادزيتش من خطط إعلان البوسنة دولة ذات سيادة .وقال حينذاك إن من شأن هذا أن يقود البلاد الى الجحيم وربما " اختفاء السكان المسلمين لأن المسلمين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم اذا نشبت حرب ." وجاءت الحرب وسيطرت قوات صرب البوسنة مدعومة من يوغوسلافيا على 70 في المئة من البوسنة وطردت أو قتلت المسلمين في بلدات كثيرة .وأثارت أساليبها الاشمئزاز وبحلول عام 1994 بدأ كارادزيتش يفقد الدعم الذي كان مطلوبا . وكان ميلوسيفيتش الذي توفي في لاهاي في مارس آذار عام 2006 اثناء محاكمته بتهمة الإبادة الجماعية العقل المدبر للحرب في البوسنة مستغلا كارادزيتش كواجهة .ومع تزايد الغضب العالمي للمذابح اليومية تحول الى صانع للسلام وجعل من كارادزيتش كبش الفداء .ووقع ميلوسيفيتش معاهدة دايتون للسلام التي تم وضعها بوساطة الولاياتالمتحدة في ديسمبر كانون الأول عام 1995 ليهمش كارادزيتش الذي ندد بها وتحدى المطالب بترك منصبه الى أن أجبرته الضغوط الدولية على الاستقالة في يوليو تموز عام .1996 وعمل على تخريب المعاهدة من وراء الكواليس .لكن حين بدأت قوات حلف شمال الأطلسي في إلقاء القبض على المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب عام 1997 لم يستطع كارادزيتش اعتبار أنه آمن في الأماكن المفتوحة حتى في وجود حراس مدججين بالسلاح .وظل يتمتع بشعبية لكن النفوذ الذي كان يتمتع به وقت الحرب قد زال . ويقال إنه أمضى السنوات الماضية في شرق البوسنة حيث يتمتع الصرب المتشددون بنفوذ .وتحدثت تقارير لم يتسن تأكيدها قط عن تخفيه في هيئة قس اورثوذوكسي واختبائه في دير بمنطقة نائية . وفي صيف عام 2000 شوهد في بلجراد .في مايو ايار من عام 2005 تجمعت زوجته وأشقاؤه الثلاثة وشقيقتاه في الجبل الأسود لدفن والدته لكن جرى التقليل من شأن تقارير أوردتها صحف شعبية وأفادت بأنه حضر متنكرا بوصفها خيالية . واستهدفت عدة غارات شنتها القوة التابعة لحلف شمال الأطلسي المعروفة باسم " سفور " ثم فيما بعد قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأوروبي " يوفور " شبكة الدعم الخاصة بكارادزيتش لكنها لم تعثر على شيء يذكر .وعقب الغارات كانت تظهر ملصقات تحمل صورة كارادزيتش وكتب عليها التعليق التالي " معكم دائما " . وفي 11 يونيو 2004 تخلت حكومة صرب البوسنة متأخرا عن نفيها المتكرر تحت ضغوط دولية واعترفت بأن الصرب ارتكبوا مذابح بحق آلاف المسلمين في سربرينيتشا بناء على أوامر من كارادزيتش .