ما يحدث الآن من فوضى وعدم استتباب للأمن في مصر لا يبشر بأية مؤشرات إيجابية، فحالة اللا استقرار التي تشهدها مصر يومًا بعد يوم قد تقلب الموازين للأبد، فالمناطق التي شهدت إعلان حالة الطوارئ من قبل الرئيس المصري في كل من السويس وبورسعيد والإسماعلية كان من المفترض أن تعود على مصر بالهدوء والاستتباب ولكن يبدو أن الوضع الأمني في مصر يتفاقم يومًا تلو الآخر ولم يستكن أو يهدأ الشارع المصري.ومؤخرًا دخل لاعب جديد على الساحة المصرية ليزداد المشهد المصري مزيدًا من التعقيد، ألا وهي جماعة البلاك بلوك Black Bloc أي الكتلة السوداء، وعلى ما يبدو فإن هذه الجماعة الجديدة على الساحة السياسية المصرية عرقلت الأمور أكثر مما هي عليه من وجهة نظر الكثير، فهؤلاء الشباب الملثمون بالأسود حاولوا حرق مقرات عامة، وخلقوا حالة من العنف والفوضى ، لكن الجماعة تلك لها رأي مخالف فهي تقول: إنها تحمي المتظاهرين من الاعتداءات وإن هدفها إسقاط الفساد وإسقاط الطاغية، لكن هل هذا فعلاً ما يحصل؟ وكيف لجماعة تخفي هويتها بهذا الشكل وتتخذ العنف سمة لها أن تسقط أيًا كان وتقضي على الفساد، لربما أن هذه الجماعة هي نتاج للعنف الذي حصل مؤخرًا في الشوارع المصرية. فالعنف لا يولد إلا عنفًا مثله، لكن هذه تلفها الغموض حول أفرادها وحول أهدافها، فهنالك من يقول إن هذه الحركة أسسها مسيحيون مصريون، وهنالك إشاعات تتناقل أن الكثير منهم ينتمي إلى حركة 6 أبريل، وأنصار الحركات اليسارية وشباب الألتراس، ووسط تخمينات كثيرة حول هذه الجماعة وتشابهها مع جماعة "اليد السوداء" التي ظهرت بالتحديد في مصر في عشرينيات القرن الماضي وكان هدفها التصدي للاستعمار الإنجليزي وتنفيذ عمليات اغتيالات ليس للإنجليز فحسب بل لمعاونيهم المصريين، وتبقى هذه الجماعة تلفها السرية إلى هذا اليوم، كذلك فإن جماعة البلاك بلوك وجدت في ألمانيا في الثمانينيات ردًا على الاستخدام المفرط لقوة الشرطة من أجل إخلاء السكن من مدن ألمانية لإقامة محطة نووية ومن ثم انتشرت هذه الجماعة في عدة دول منها الولاياتالمتحدة، وبريطانيا، وها هي اليوم تظهر الجماعة في مصر. وبالنظر إلى تاريخ هذه الجماعة فعمليات الفوضى والتدمير هي السمة البارزة لها، وتكثر هذه العمليات أثناء المؤتمرات أو الأحداث السياسية البارزة، ذلك لتبيان وجودهم وإلقاء الضوء عليهم من قبل الإعلام كجزء من البروباغندا التي تريد هذه الجماعة الترويج لها. مصر اليوم تدخل في دوامة صراعات بين أحزاب وفرق مختلفة كلٌ له أهدافه وكلٌ يرى أنه على صواب والآخرين مخطئين ووسط هذا كله يبقى لدينا ثلاثة لاعبين رئيسين في المشهد المصري، فهنالك الرئيس المصري الذي يرى فيه الكثير امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين التي لا يرى الكثيرون اعتراضًا على الجماعة بحد ذاتها، بقدر ما هو اعتراض على نشاط الجماعة الحالي وعدم إلمامهم بإدارة دولة كجمهورية مصر، أما اللاعب الثاني فهو التيارات والأحزاب العلمانية التي تتكون من ناشطين وجماعات صغيرة لكنها فشلت في التوصل إلى أي حل مع السلطة المصرية ولم تنجح في إيجاد مقاربة سياسية وها هو مرسي يبدأ الحوار الوطني بدونهم، أما اللاعب الثالث في المشهد المصري هو الجيش ، حيث يبرهن الكثير من المحللين أن الجيش المصري سوف يعود للصورة مجددًا. ووسط هذا الشد والجذب اليومي في مصر، يبقى الاقتصاد المصري متعطلاً، ومتدهورًا بسبب عدم الاستتباب والتطورات الأمنية التي تشهدها مصر، فالخبراء الاقتصاديون يتوقعون تعرض مصر للإفلاس إذا ما استمرت الأوضاع، كما هي عليها، والخسائر التي تتكبدها مصر يوميًا لن تستطيع تعويضها بسهولة إذا ما نظرنا للاقتصاد المصري الذي يتمركز الآن حول الاقتراض بدلاً من الاستثمار، فسوف يصل عجز الموازنة بحلول نهاية هذا العام إلى 30 بليون دولار، كل ما يحصل الآن ينبغي أن يكون مؤشرًا خطرًا لمستقبل مصر الذي يمضي في طريق مجهول، وسط حكومة لا تمتلك الخبرة، وشعب يخالجه الإحباط، ومعارضه تنفرد بآرائها. على الرئيس مرسي الذي لا يمتلك عصا سحرية أن يحاول إيجاد حل لجمع كل القوى والائتلافات تحت مظلة واحدة والسعي لتوافق وطني، واجب على الرئيس أن يجد حلاً للخروج من عنق الزجاجة الذي زجّ به الكثير فيه، فالمصلحة المصرية والاستقرار ليس مصريًا فحسب بل عربيًا ودوليًا أيضًا.