استرجع ما مر به في يومه، فوجده مثل أمسه، ثم فكّر في غده، فغلب على ظنه أنه مثل يومه وأمسه، الأحداث مكررة ولا جديد، لا إثارة تذكر، لا مشاعر قوية، يتحرك كروبوت، لا تعابير في ملامحه، يذهب إلى العمل ليجد الوضع على حاله، تحية الصباح لديه أن يهمس بحرف سين طويل يرد عليه الآخرون بسين أخرى، يدخل إلى مكتبه وينتظر مرور الوقت ليعود للمنزل ويستكمل سلسلة التصرفات الروتينية. لفت انتباهي مقطع من فيلم امريكي يمثل فيه توم هانكس دور رجل مكتئب ترمّل حديثاً ويحاول أن يخدّر بالروتين مشاعر الألم لفقدان زوجته فيقول: "سأنهض من سريري كل صباح لأتنفس شهيقاً وزفيراً طوال اليوم، ثم بعد فترة لن أضطر لتذكير نفسي بالنهوض من السرير كل صباح لأتنفس شهيقاً وزفيراً، ثم بعد فترة لن أجد نفسي أفكّر كيف أنني كنت أعيش حياة مثالية ورائعة في السابق"، فكما أننا نتنفس بشكل لاإرادي، فكذلك الأحداث المكررة الأخرى في حياتنا تصبح لاإرادية مع مرور الوقت كوظائف الجسم الحيوية، وما إن يدخل التصرّف في حيز الروتين نفقد القدرة الحقيقية على الاستمتاع به وتقديره، ثم بعد مدة ربما تطغى الرتابة على أنفسنا فنعجز عن الاستمتاع بالحياة وتقديرها لأننا أصبحنا حبيسي أنماط محدودة من التصرفات. أن تمل من الروتين أخطر من أن تعلق فيه فلا تكاد تتعرف على حياتك دونه، الروتين لدى البعض هو الحصن الذي يجعل الأمور تبدو ظاهرياً على درجة عالية من التنظيم والاستقرار، بينما قد يكون الشخص في واقع الأمر هارباً من مواجهة واقع مؤلم وسجيناً لتصرفاته اليومية المكررة ومهدداً بالاكتئاب في أي لحظة، الحياة بلا مشاكل ليست سعيدة بالضرورة، قد تكون حياة لا حياة فيها، لا جديد فيها، لا إبداع فيها، لا إنجاز فيها. المحافظة على مواعيد النوم والاستيقاظ وتناول الوجبات أمر إيجابي، ولكننا نحتاج قليلاً من التغيير في تفاصيل تلك الأحداث، كما في ديننا عبادات دائمة لا ينبغي التفريط فيها ولا يمكن تصنيفها ضمن الأمور الروتينية؛ إلا أن الروتين يزحف إلى كل شيء دون أن نشعر، ففي الصلاة مثلاً قد نعتاد قراءة سور معينة بشكل آلي لدرجة أن لا نعي حرفاً مما قرأنا مهما حسن ترتيلنا، فما الحل؟ لا تستسلم للروتين، امنح نفسك قليلاً من الوقت لدراسة ماتمر به بجدية، فأنت أدرى بحقيقة وضعك، وأنت الوحيد القادر على انتشال ذاتك من متشابه الأيام، حتى لو لجأت إلى مختص أو طلبت نصيحة صديق؛ فإن قرار الاستعانة بالآخرين كان مصدره ذاتك، نحتاج أحياناً أن نرغم أنفسنا على فعل ما فيه خير لنا وإن لم نمتلك ما يكفي من الرغبة أو الطاقة، فصوت الحكمة موجود وإن طغى عليه صوت الخمول أو الحزن، وبقليل من الإنصات ستتمكن من الاستماع لصوتك الداخلي الجميل الذي يخبرك بما عليك فعله حقاً، قد يذكّرك بهواية هجرتها، أو ربما اقترح عليك أن تسافر مكان ما، ربما يدفعك إلى تجربة أمور جديدة لتختار منها ما يناسبك فيما بعد، لعل الوقت قد آن لتغيير وظيفتك، وربما عليك التفكير في توديع العزوبية مثلاً.