ما زلت أجثو على ركبتي وساعدي على صخرة عصماء , وضعت عليها بقايا أوراقي , ويمناي تمسك بالقلم , كلما بدأت الكتابة تدحرج أحدنا , الصخرة أو أنا , وتبعثرت أوراقي تتطاير في الهواء , أجري خلفها وأتصيدها الواحدة تلو الأخرى , فأعود ولا أجد القلم , لقد كان في يمناي ولكنه سقط سهواً في رحلة صيد أوراق الكتابة , تملكتني الحيرة !! ماذا أفعل الآن ؟؟ إذا تحركت للبحث عن قلمي ستطير أوراقي تارة أخرى , ومرت بخاطري ذكرى لغز قديم ( الذئب والخروف والبرسيم ) إذا أخذت احدهم اكل الأخر الباقين , ضحكت من حيرتي , ووضعت على أوراقي حجراً أعرفه , واستأمنته عليها , وذهبت أبحث عن قلمي قبل ضياع الفكرة من ذاكرتي , وجدته بعد حين مسترخياً في ظل وردة حمراء وإلى جانبه نامت وريقات الأشجار الخضراء الفاتنة البكر , يبادلها قبلات الغرام ,حتى أنسته حبه الأول للأوراق البيضاء المعدلة كيميائياً , فحاول أن يتوارى عني ويدفن رأسه في أحضانها ولكني قطعت عليه متعة الدفء التي عاشها للحظات , عدت أرفعه عالياً ورأيت من بعيد علامات الغبطة , مختلطة بنية الانتقام , تبدو على أوراقي المحبوسة تحت حجر , وهي تتبسم في حياء لعودة القلم المفقود . عدت إلى وضعيتي الأولى , أجثو على ركبتي , وساعدي على ذات صخرتي العصماء , أمسكت بأوراقي جيداً ويدي اليمنى تحكم قبضتها على قلمي , بدأت اخط أول أحرفي وأنساب القلم بعدها , وسبحت أنا في عالمي لا أرى ما حولي , ولا أسمع إلا خشخشة اوراق الشجر التي يحركها النسيم , وقلمي يقبل في وله وانكسار أجزاء الورقة البيضاء . حتى تحول لون أوراقي وزال البياض . ولكن أين أنا ؟؟؟ وماذا كتبت ؟؟ أمسكت قلمي في هدوء , وأغمدت رأسه في خوذته ووضعته في جيبي , وبكلتا يدي امسكت بأوراقي لأقرأ , فإذا بي أجد كلاماً غير الذي جئت لأكتبه , عجبي !!! أعدت قراءتها تارة أخرى ، وأخرى ، وأخرى , فإذا بأوراقي تصيح , كتبنا على صفحاتنا ما نريد , وتركنا ما نريد مخفياً تحت أقبية الحروف , فلنا كما لك ذكريات ومشاعر , نسطرها على أجسادنا متى نشاء, وما أنت إلا أداة تمسك بالقلم , من فرط دهشتي اغمضت عيني , وفتحتهما من جديد , فقد امتلأت الأوراق , ولم يعد فيها مجال لأفصح بالمزيد , ورغماً عني , عدت من حيث أتيت , أجر أذيال الغرابة , أتأبط أوراقي اللئيمة , وأتأمل قلمي في غيظ , ولسان حالي يقول : كيف تخرج عن طوعي لترضي رغبة الأوراق , هكذا تبيع ولاءك لي ؟؟ أجابني كأنه يقرأ أفكاري , قائلاً : سيدي الحب يغلب سطوة السلطان , لقد خنت حبي الأزلي مع أوراق الهوى الخضراء , وكنت فقط أكفر عن ذنبي , سامحني سيدي فأنت لم تذق مرارة الذلة عندما تدرك الأنثى أنها على حق , وتعترف أنت صاغراً بخطئك , حينها ستطلب منك إحضار لبن العصفور , وليس لديك بد من أن تقول أمرك سيدتي , تبسمت ساخراً من حاله , ومشفقاً عليه , وربت بيدي الأخرى على أوراقي , راضياً بالقليل , شكراً لك أيتها الأوراق , فيكفيني , أن تحفظي ما أريد تحت أقبية الحروف.