في كثير من الأحيان تبدو أفكارنا ومعتقداتنا كثوابت لدينا، ولكن في حالات كثيرة تتغير تلك الأفكار وفقًا للموقف أو إدراكنا للموقف، فالإدراك هو بداية التغيير، ولكي تتغير يجب أن تدرك أولا..." تلك هي خلاصة كتاب: "هل ستأكل ثمار الليمون" لمؤلفه عبد الفتاح محمود خبير التنمية البشرية. يبدأ المؤلف فصله الأول بسؤال غير مألوف عن ثمار الليمون ويقول: هل فعلا ستأكل ثمار الليمون ذات الطعم الحامضي القابض؟ هل ستأكلها بقشرها أم ستقشرها؟ ربما في بداية الأمر ستقول ما هذا وكيف لي أن أقوم بهذا؟ ولكن في بعض الأحيان نجد أن هناك ما يدفعنا إلى تغيير الكثير من إدراكنا للحياة وللظروف، وربما نختار اختيارا أصعب؛ لأنه هو المتاح الآن لدينا، ربما تجد أن ثمار الليمون هذه هي كل أمنياتك في الحياة بالرغم من تلك الصفات. فكر ماذا ستفعل في المواقف التالية: - إذا قدم لك أحد أصدقائك وجبة غذاء مكونة من ثمار الليمون فقط؟ - إذا وجدت نفسك في الصحراء تائهًا وبدأ الجوع والعطش يتسربان إليك وفجأة وجدت أمامك شجرة ممتدة الفروع ممتلئة بالثمار... هي ثمار الليمون؟ اختلف الإدراك فتغيرت الأفكار في الموقف الأول ستندهش من فعل صديقك ولن تأكل الليمون، بينما في الموقف الثاني مع زيادة الجوع والعطش ستتناول ثمار الليمون بنهم شديد كأنك تأكل تفاحا أو مانجو... ولكن ماذا حدث لكي يتغير موقفك إلى النقيض؟ بالرغم من أن الليمون لم يتغير ولم يتبدل وهي نفس الثمار، ولكن الذي اختلف إدراكك لتلك الثمار فهي الآن -كما في هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية- هي أول الاحتياجات، أو بمعنى آخر إنها تمثل احتياجك للبقاء والاستمرار في الحياة؛ لذلك ستجد أن هذا الاحتياج ولد لديك الدافع الكافي لتتقدم من الشجرة وتأكل من ثمارها بالرغم من إدراكك السابق بأن طعم الليمون لاذع وغير مفضل لديك، ولكن اختلف الإدراك فتغيرت الأفكار لديك؛ لأن إدراكك للشيء بالطريقة الجديدة جعلك تحصل على نتائج جديدة. الإدراك = 50% من التغيير هنا تكمن فكرة التغيير، فإن الإدراك هو 50% من التغيير، وإذا نظرنا إلى موضوع ثمار الليمون سنجد أنه يتغير إدراك الليمون بناءً على احتياجك، ففي الحالة الأولى كنت تملك الاختيار، ولديك البدائل، وكنت تقول أبدًا لن أتناول تلك الثمار، ولكن بتغيير الاحتياج تغير الإدراك فتغيرت الأفكار وجعلتك تلتهم الثمار بنهم شديد. تستطيع أن تغير أفكارك ومعتقداتك إن استطعت أن تنظر لكل شيء بمنظور جديد. اللافتة والفرصة المتاحة استكمالا للموقف الثاني، فكر إذا كنت بالفعل تشعر بالجوع والعطش والإرهاق الشديد، ورأيت شجرة الليمون ذات الثمار الحامضية ولا يوجد أي شيء تأكله سواها، وعندما وصلت إليها وكدت تشرع في أكل ثمارها حتى قرأت لافتة مكتوبا عليها هناك شجرة تفاح، ولكنها بعيدة بمسافة 5 كم عن هنا. ستفكر قليلا هل آكل من ثمار الليمون، فأنا أكاد أموت جوعًا، ولكن طعمه لاذع لا أتحمله، ولكني أشعر بالتعب الشديد، فهل أتحامل على نفسي وأكمل الطريق؟ ماذا سيحدث إذا كانت هذه اللافتة خادعة فيما تقول؟ ما هو الدافع لديك هنا، هل دافع البقاء؛ أي إنك إن لم تأكل الآن لن تستطيع إكمال حياتك، أم الدافع أن تأكل ثمار التفاح حتى تحصل على الطعم الذي تفضله، وإن كنت ستتكلف بعض العناء للسير إلى هناك؟. وهنا ستجد أنك في حاجة ماسة للأكل؛ لأنك تشعر أنك لن تستطيع تكملة طريقك، فماذا يحدث لو أكلت بعض الليمون حتى يعطيك طاقة لباقي الطريق حتى تصل إلى شجرة التفاح؟ وحتى إن لم تكن هناك أي شجرة فإنك لم تقم بإضاعة الفرصة، وأخذت معك بعض الثمار لتساعدك على باقي الطريق حتى تصل إلى ما تريد، ولو كانت هناك شجرة تفاح ستنسيك طعم الليمون، وستصبح سعيدًا جدًا أنك وجدتها، وأنك استغللت الفرص المتاحة لديك، فكما تقول إحدى فرضيات التنمية البشرية "يستخدم الناس أفضل اختيار لهم في حدود الإمكانيات المتاحة في وقت بعينه"، فاستغلالك الأمثل للفرص المتاحة هو ما يصنع لك السعادة، ويجعلك تسير نحو أهدافك مهما كانت بعيدة، فأنت مستعد لما قد يقابلك، ومرن في التعامل معه. الحافز وتغيير الأفكار والآن وجدت شجرة تفاح وشجرة ليمون، ولم تكن تشعر بالجوع من الأساس، ولكنك وجدت نفسك داخل مسابقة، والفائز هو من يستطيع أكل أكبر قد من ثمار الليمون، والجائزة هي مليون دولار. في هذا الموقف لديك الحافز، وهو المليون دولار، وهو حافز قوي بالرغم من عدم حبك لأكل ثمار الليمون، ولكنك ستحاول أكلها إذا كنت تريد الحصول على المليون دولار، وستقاوم كل المغريات التي حولك، وهي ثمار التفاح الجميلة حلوة المذاق. قد يغير الحافز لدينا وجهة نظرنا في الأشياء فيقاوم ما لدينا من أفكار ويضع لدينا أفكارا جديدة عن الجائزة التي سأحصل عليها بمجرد أكلي لليمون، وهكذا نرى أن دور المحفز قوي في تغيير الأفكار والمعتقدات. والمحفز يختلف عن الدافع، فالدافع دائمًا من الداخل مثلما تحدثنا عن دافع البقاء الذي جعلك تأكل الليمون، أما الحافز فهو خارجي، وجعلك أيضًا تأكل الليمون أملا في النتائج التي ستحصل عليها والأهداف التي تحققها بالمليون دولار. فهناك أشياء كثيرة تدفعنا لتغيير الأفكار والمعتقدات مثل: المليون دولار، ووجودك في الصحراء، أو تجعلنا نتعامل معها بمرونة مثل: وجود لافتة تشك في صحتها، أو توفر البدائل. ويصل مؤلف الكتاب عبد الفتاح محمود في النهاية إلى حقيقة هامة: عليك أن تتغير وتتكيف حسب الموقف، وتستطيع أن تتعامل مع كل موقف على حدة بالأسلوب الذي يعطيك أفضل النتائج، فأنت الإنسان الذي بداخله كل شيء، وقدراته لا محدودة يستطيع بها أن يحصل على ما يريد، ومهما واجه من تحديات وعوائق فإنه يستطيع أن يتغلب عليها، ويستمر في الحياة، ويتمتع بها، ويحقق العديد من الإنجازات.