أن تكون مديرا لقطاع ما في مكان ما في زمن ما.. تلك مسؤولية كبيرة، أليس كذلك؟.. إنك ستجيبني ب(نعم) بالطبع، ولن أتوقع منك إلا أن تتذرع بتطبيق الأنظمة بحذافيرها ولن تحيد عنها قيد أنملة أبدا، كما أنك لن تسلب حق أحد ما ولو بمقدار "جلب شعير"، كما أن الكبير والصغير من موظفيك سيعيش في أمن وظيفي يُحسد عليه، انه لن يشعر بأي ضغط نفسي يُمارس عليه بطريقة منظمة أو غير منظمة كما هو الحال في سياسة تطفيش الموظفين في بعض القطاعات الخاصة، وربما العامة والله أعلم كما أنك لن تنحرف عن جادة الحق والصواب ولو بمقدار المسافة بين حرفي "لا" وظلهما على الورقة، وأعتقد أنك رأيت ظلال الحروف على الورقة لأنك قد تعترض على أن هذه الظلال التي قد تسبب في ايصال المعنى بشكل غير دقيق، فالحروف لا ينبغي أن يكون لها ظلا على الاطلاق، خصوصا الحروف غير البارزة، فكيف بالكلمة أو الكلمات التي تمتلئ بالظلال أو كما قال البلاغيون القدامى: "معنى المعنى". لقد أصبحت مديرا وحان وقت إبراز العضلات التي كنت دائما تفتخر بها في حياتك العملية والإدارية تجاه ما تُدير.. ومَنْ تدير.. وبماذا تُدير.. ولماذا تُدير.. و و؟.. وها هي فرصة أخرى قد أتتك على طبق من ذهب كما يقولون وما أكثر ما يُقال في هذا الصدد فلا تفوتها في اثبات وجودك، وأعتقد أنك لن تفوتها أبدا بل ستعض عليها بنواجذك، ولكنك ستكتشف أنك تعيش تحديا كبيرا يتطلب منك ان تصمد في قباله.. لا شك أنك تحمل إرادة كبيرة لاثبات وجودك، وتحقيق ذاتك، إنك تريد أن تقول للآخرين بطريقة غير مباشرة أنك تحمل قدرة عجيبة لمواجهة هذا التحدي ومن ثم الانتصار في الميدان العملي بتحقيق أعلى ذروات النجاح وتحقيق أكبر قدر ممكن من قائمة الأهداف والغايات، تريد أن تقول لرؤسائك الكبار أنك "قدها وقدود" وربما تتمثل بقول الشاعر مع شيء من التعديل : أنا ابنُ حَلا وطلاّع الثَّنايا مَتَى "أصِلُ الرئاسَةَ" تَعرفوني والبيت كما ورد في كتب التراث من قصيدة لسحيم بن وثيل بن عمرو أحد فرسان بني تميم وشعرائها المفلقين، كان فارسا شجاعا وشاعرا مجيدا شريفا في قومه ذائع الصيت بينهم، أدرك الإسلام وامتد به العمر، ويروى أنه كان من أجمل الناس ومن الذين لا يدخلون مكة إلا متلثمين مخافة النساء على أنفسهم حالة كحال قمر نجد (الزبرقان بن بدر) وسحيم شاعر بدوي مفلق وأشعاره تتحدث عن اهتمامات العربي في الجاهلية، وقوله: (متى أضع العمامة تعرفوني) كناية عن كشف وجهة للناس ومعرفتهم بجماله، وقد أصبح هذا البيت مثلا شعريا سائرا بين الناس تتناقله الأيام والسنوات، وأشهر من تمثّل به الحجاج عندما تولى العراق، ولا يزال الناس يتمثلون به في مقولاتهم، كما يتمثل به الكتّاب في مقالاتهم، ولسانُ حال كل من يصل الى كرسي ما في أي إدارة ما يقول هذا البيت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولكن القول شيء والفعل شيء آخر، وهناك مسافة صعبة بينهما يجب اجتيازها، وعليك أيها "المدير" يا من وصلت الى ما وصلت اليه أن تكنن بمستوى التحدي لاثبات ذاتك.. عليك ان تحول النظرية الى تطبيق، والتطبيق الى نتائج، والنتائج الى انجازات ملموسة على مسرح الواقع.. ويحق لك ان تفتخر بعد ذلك بما أنجزت لا أن تحول الادعاءات الى انجازات ليس لها مصاديق واقعية، فالادعاءات زبد يذهب هباء منثورا، وما ينفع الناس يمكث في الأرض.. أجارنا الله وإياكم من المدراء الذين هم في كل واد يهيمون ويقوولن ما لا يفعلون. وحتى نلتقي لكم مني كل المحبة. [email protected]