يفاخر الأب الذي يكون لديه ابن ذكي حصيف خلوق يعرف كيف يتعامل مع الناس بطريقة لائقة فيقول الأب إن ابني فلان هو ركن من أركان البيت وإنني اعتمد عليه في عملي الخاص والعام، فإذا نظرت إلى أحوال الأب الذي انجب ذلك الابن الركن فإنك تجده يحمل الصفات الطيبة نفسها التي نقلها إلى ابنه المؤدب الحصيف الذي وصفه والده بأنه ركن في بيته وركن أساسي يتفاخر به بين اقرانه من الناس، وعندها يقول الناس عندما يرون تصرفات الابن الركن بأن "الولد طالع لأبوه" فقد يزيد عليه الابن وتصل تلك المعلومة الى والده فيسر بها على أساس القاعدة التي تنص على أن الإنسان لايريد أحداً أفضل منه إلا ابنائه. وفي المقابل تجد ابناً آخر تصرفاته هوجاء واخلاقه شرسة ونظراته حاقدة فيسأل عنه من يراه وعندما يعلمون من هو أبوه لايستغربون من تصرفات ذلك الابن وافعاله وغطرسته وتعامله الفظ المتعالي مع الآخرين، وإنه مع ذلك فإن والده الذي نقل إليه طباعه السيئة يعتبره ركناً في بيته وزرعه أيضا ليكون ركنا من الاركان الرئيسية في عمله، وليقوم بنشر طباع والده فإن لم يستطع ذلك الابن القيام بالدور السيئ كاملا، جاء أبوه بأخيه من أمه أو ابيه ليكون للابن عماً يسانده في الغطرسة ، ويربيه أكثر على شراسة الأخلاق فيكون هناك ركنان من اركان الشر يتغذان من المنهل الرئيسي لهم ويقلدونه في مشيته الطاووسية وفي اشاراته الرعناء وفي تجهمه وفي جلسته وفي مايظهر للناس من بغضاء وبطش، فيتقفون الثلاثة على أبراج اتصال الجوال من خلال تبادلهم للمعلومات الجاهزة الدائرة في فلك "ابعدوا فلان، وتهجموا في وجه علان وشوفوا هذا مين وهذا ايش وراه وهذا في الأول والتاني جمبو والآخر في الطيش أما غريم القافلة فإن استطعتم فمسكوه الباب أو جلسوه عند أول باب وإنته ياركن ضع كرسيا بعد الباب حتى لايمرق أبو قبقاب" وهكذا يتصرف الثلاثي المرح في عملهم وكأنهم في دارهم مع أنهم مجرد زبائن يجلسون في صالون حلاقة يجلس الواحد على الكرسي فيحلق رأسه إما قصة اسد أو حمار أو على الصفر ثم ينزلون من على الكراسي ليصعد عليها آخرون ولكنهم يتصورون أنه سوف يظل كل واحد منهم على كرسي لاينزل منه أبدا وهذا من قلة العقل وعدم الادراك ومعرفة الأمور على حقيقتها ولو تدبر المسكين وأدرك أن دوام الحال من المحال وأن التعامل الحسن هو الذي يكسب صاحبه ثناء الناس واقتدى ببعض من النماذج الحسنة أمامه في مواقع أرقى منه وهم يتعاملون بأخلاق حسنة مع الصغير والكبير وأن كلماتهم عطرة مثل الورد والياسمين وقلوبهم صافية مثل الثلج الأبيض أمثال هؤلاء النبلاء لو لم يستطع الإنسان الوصول إليهم لشكرهم بلسانه من خلال اللقاء بالعين فإنه يكتفي عندها تقديرا لظروفهم العملية بالدعاء لهم بالقلب من وراء ظهر الغيب فهؤلاء هم النماذج الخالدة في قلوب الناس التي يجب أن يتعلم منها أركان الشر الأخلاق الحميدة والتعامل الحسن ولكن هيهات ما أبعد الثرى عن الثريا. لمن يفهم: قال الله تعالى في حديث قدسي شريف :" الكبر ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته ولا أبالي". وصدق الشاعر عندما قال: فإنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا