كثيرون صادروا معالم تاريخية في عدد من مدن وقرى المملكة دون أن يردعهم أحد لأسباب نفعية أو جهل بالقيمة التي تمثلها هذه المعالم.. وإذا كانت منطقة الجنوب تحديدًا تضم الكثير من القرى الأثرية، و»الحصون» المبنية على مرتفعات الجبال الشاهقة، والمساجد ذات الطابع المعماري الفريد قد تمت إزالتها، فإن ذلك يعني اغتيالاً للتاريخ، كما حصل لواحد من أهم وأقدم المساجد الجامعة في سوق سبت تنومة، والذي يقال إنه كان قد تم بناؤه في القرن الخامس الهجري ضمن منظومة سوق السبت الشهير أي قبل أكثر من 900 عام.. وذلك طبقاً لما أورده الباحث التاريخي المعروف الدكتور عبد الله أبو داهش في كتابه «حياة من الحياة» في الصفحة 52. كما يستوعب المسجد ما يزيد على 500 مصلٍّ مع حرمه الفسيح، وشبكة المياه التي تغذيها بئر كانت محفورة في جوار المسجد، مع تصميم فريد لمسارات المياه، وعمران من الداخل والخارج يضم المواد الطبيعية التي تم استخدامها في البناء. غير أنه بدلاً من جمع معلومات، وإعداد ملف يروي قصة تاريخ مدينة وحضارة أمة، قام أحد رؤساء البلدية في تلك المدينة بهدم المسجد دون مبرر.. ودون مسؤولية بثقافة التاريخ.. ودون حسابات لأسئلة الأجيال القادمة. ولا أعرف ما هي فلسفة رئيس البلدية في هذا الانتقاء عندما لم يرَ في إزالة المنطقة التاريخية إلاَّ مسجدها الذي كان شاهدًا على أن سكان هذه المدينة العتيقة يصلون منذ أكثر من 900 عام وعبر تاريخهم المعاصر؟ وتأكيداً على أن الإسلام قد دخل في وقت مبكرٍ إلى هذه المنطقة. وإذا كان رئيس البلدية الذي لا أعرفه شخصيًّا قد تذرَّع بإقامة مسجد جديد في مكان آخر، وهدم المسجد القديم، فإنه للأسف لم يكن جديرًا بمسؤولية إدارة شؤون البلدية، لأنه بهذه الرؤية كان قاصرًا في ثقافة التاريخ والمعالم التاريخية في المفهوم الحضاري للمجتمع.. وكان من السهل على سعادة الرئيس أن يسقط ذلك الشاهد على قصة الزمن فوق «جرافاته» التي كان يجب أن يوجهها نحو فتح الطرق الترابية داخل مدينة كانت قد بدأت تدخل منظومة خدمة البلديات دون أن تدرك أن يكون لدى رئيس بلديتها أفكار «خارقة» تبدأ باغتيال أهم معالم تاريخها .. وهنا يمكن طرح أسئلة محددة ومنها : ما هي الأسباب التي أدت إلى إزالة المسجد؟ هل حصل رئيس البلدية على إذن بالإزالة من الأوقاف أو الشؤون الإسلامية أو الهيئة العامة للآثار؟ هل كان ذلك بسبب تخطيط المنطقة التي يقع فيها المسجد وهذا لم يحصل بالطبع حتى الآن ؟ لماذا تم انتقاء المسجد تحديدًا للإزالة من بين كل المنازل الأثرية المجاورة؟ هذه أسئلة أتمنى أن تفتح ملف التحقيق حول إزالة مسجد سوق سبت تنومة التاريخي، وهي أسئلة مشروعة، أتمنى أن تفتح ملفات أخرى ضد كل من تجرأوا على مصادرة مثل هذه المعالم. وحتى يتم وضع حد لما هو قادم علي أن أثق في الحرص الشديد لسمو الأمير سلطان بن سلمان، الذي ركَّز خلال جولته الأخيرة على تفقد الآثار في المنطقة، ويسير بخطوات حثيثة نحو مشروع طموح للحفاظ على ما تبقى من معالم التاريخ العمراني في مختلف مناطق المملكة.