خلال فترة الإعداد للقيام بحملة توعية في منطقة عرف المؤثرون عليها بالتطرف والسير في اقصى رؤية متاحة للممنوع والمحرم، اعتقد الذين يرغبون في اخراجهم من هذه الحال ان مجموعة اخرى من النصائح يقدمها متطرفون من نوع آخر قد يحقق نوعاً من التوازن، ويخلق حالة من الوسطية والاعتدال.يعملون ذلك اعتماداً على مبدأ "وداوها بالتي كانت هي الداء"، فيدخلون الناس وخاصة الشباب في حالة جدال ديني للنصوص والنصوص المقابلة، لا فلات منه. وهكذا صارت الحياة والدوافع للبناء الدنيوي بعيدة عن أذهان هؤلاء الشباب، وصار جهدهم كله منصباً على "إعمل لآخرتك وكأنك تموت غدا".وبالرغم من أن العمل للآخرة لايستقيم الا مع العمل للدنيا لأن هذه سنة الله في خلقه فقد تم التركيز على الموت وثقافة الموت وتم نسيان الحياة وثقافة الحياة. حلول مغايرة: ثبت بما لايقبل الجدال أن قولبة الشباب على فكر مغلق لايقبلون فيه حواراً ولا تصوراً لوجود رأي آخر ينتهي بهم الى التطرف والعنف. فهم يعتقدون عندما يناقشون غيرهم لو سمحوا بالنقاش أن أي رأي مغاير هو بدعة وضلالة وهو في النار مما يحتم مهاجمة صاحبه ورفضه. والمسألة لا ترتبط بالقولبة على فكر ديني في حد ذاتها بل القولبة على رأي واحد مع ملء الذهن بالشحناء والغضب والكراهية للمختلف يمكن ان تنتجه معتقدات غير دينية. ولعل الصين خلال فترة ماو تسي تونج، خير دليل كيف يكون لتعبئة افكار الشباب بالكراهية والحقد على من يعتقدون انهم السبب في البؤس الذي يعانونه فيحاربونهم ويحرقون اليابس والأخضر لتحقيق مهمة القضاء عليهم.وفي حالة وجود قادة مؤثرين ودعاة متحمسين لنفس الفكرة خلال فترة انحطاط وضعف تصبح مثل هذه التعبئة قدرة وقوة لا يقف في طريقها شيء. والحوار حينها مع التابعين من الشباب يكون مستحيلاً لأنهم يعتقدون انهم على الحق وان عدا ما يعتقدونه كله باطل.فالقصة اذن ليست تطرفاً دينياً بل تطرف دنيوي في سبيل حلم متوقع في الحياة وليس بالضرورة موعود لما بعد الموت. كل هذه القصص والتجارب تعلمنا ان منهج الوسطية والاعتدال لا ينمو بين الناس ويكتمل الا في مناخ به كثير من القبول للتفاوض والرأي المتوسط والافكار المختلفة التي تتعايش مع بعضها البعض دون نفي اورفض او تصور انها الحق المطلق ليس من بعده شيء. والأمر اذن مرهون بما يتم عمله في المناهج واساليب التعليم في المدارس وتنمية القدرة لدى النشء على الفهم والاستنباط والاستيعاب والنقد وعدم التسليم بالامور كما هي بل مع توجه ثابت نحو الوصول الى وضوح كامل للصواب من الخطاء والحرص على منح الآخر مساحة لاحتمالية الصواب. عملاً بالقول المأثور "رأيي خطأ يحتمل الصواب وكذلك رأيك". [email protected]