عندما يجدك شخص في مكان ما قد يسأل: ماذا تفعل هنا؟ ولابد أن يكون هنالك سبب لوجودك في ذلك المكان. لأن الإنسان ليس بهيم يساق لحيث ما لا يعرف أو لا يدري. فلماذا أنت هنا؟ في هذه الدنيا؟ لابد أن يكون لهذا الوجود سبب قرره من أوجدك. وبالذات عندما تعرف أن مؤهلاتك كإنسان تختلف عن مؤهلات المخلوقات التي أوجدت من قبلك، وبالتالي سوف يكون المطلوب منك أو مسؤولياتك مختلفة عنهم. لأن الموجد هو الله، فلماذا يوجدك مختلفاً عمن سبقوك من المخلوقات مثل الملائكة لتفعل نفس المطلوب منهم فقط؟ نعم كل مخلوقات الله وجدت لتعبد الله حتى بالتسبيح لحمده، ولكن لابد أن يكون لاختلاف الخلق اختلافاً في أسباب و أهداف هذا الوجود. لابد أن يكون هنالك سبب آخر غير العبادة بصورتها البسيطة لأنك إنسان لست بسيطاً، هذا السبب هو ما يميز وجودك بين المخلوقات أو سوف يكون وجودك اضافة لا معنى لها، وحاشى لله أن يخلق شيئاً عبثاً فما بالك بمخلوق يجعل الخالق ملائكته تسجد له ويعطيه حرية الطاعة أو العصيان، وفرصة التكبر أو النكران. أنت إنسان، أنت المخلوق الذي كرمه خالقه، هنالك هدف لوجودك لابد أن يتحقق، إذاً ما هو هذا الهدف الذي أنت في حاجة لمعرفته لكي لا تخالف سبب وجودك كإنسان ويضيع عليك هدف هام تحت بند النسيان. لنتدبر كتاب الله ماذا يطلب منك بجانب الشهادتين، الصلاة،الزكاة، الصوم والحج؟ والتي سوف اسميها هنا الواجبات الحتمية. وما عدد تكرار التوجيه لك في القيام بالواجبات الحتمية مقابل غيرها من العمل الصالح. سوف تجد التوجيه أكثرللعمل الصالح، لأننا وجِدنا لنعمل الصالحات كبشرية، طالما أن كل شيء يعبد الله ويسبح بحمده ولكن لا نفقه تسبيحهم. فما هي الأعمال الصالحة؟ هل أستطيع أن أوجزها في هذه العجالة؟ بالطبع لا ، لأن العمل الصالح قد يكون حسن الظن، التفكير الحسن، العفو....ألخ. لذلك لابد للإنسان أن يبحث عن كل الأعمال الصالحة لكي يقوم بواجب وجوده ويتفنن في أدائها ومن هنا تختلف مراتبنا وتحصيلنا في الدنيا والآخرة. بالطبع هنالك أعمال لها درجات غير درجات أعمال أخرى، لأننا في امتحان، وفي الامتحانات تختلف الدرجات من عمل لعمل ومن مادة إلى آخرى حسب المنهج الذي عليه الامتحان. منهجنا أساسه القرآن والمواد التي يتم الامتحان فيها شديدة الوضوح لمن يذاكر ويُرتل المنهج ويحل الواجبات لتزيد أعمال العمر وتحسن السيرة والسلوك، والله يضاعف لمن يشاء. ولكن لكي اختم هذه العجالة بشيء مفيد أود القول إن من أهم مواد الامتحان في منهجنا الرباني هو المال، ولذلك هو الفتنة الأكثر تكراراً. ومن المال وبه تحسن أو تسيء التصرفات، ومن خلاله تتم المتاجرة مع الله والإقراض لله. فعلينا الاهتمام بهذه المادة الشيقة في دراستها والشاقة على النفس في تطبيقها لأن لها شروطاً وأصولاً لا يقدر عليها إلى من يطمح للدرجات العليا وتقدير الامتياز. يقول صاحب المنهج جل في علاه:"لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ". ويقول جل جلاله: "لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ". يجب علينا دراسة المنهج بقلوبنا وعقولنا حتى يتحقق النجاح والاختبار دائماً للبشر وهو على الأبواب في كل الأوقات، لذلك عَلمنا خالقنا أن الإنسان الغافل عندما يموت من الأشياء التي يتمنى حدوثها والطلبات التي يتمنى تحقيقها ولن تتحقق هي في قوله تعالى: "وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ" . ربط الصلاح بالصدقة، فيجيب عليهم سبحانه بقوله: " وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". إن أعلى درجات الدنيا أن تكون من المتقين وأفضل مراتب الآخرة أن تصبح من المفلحين ومن وسائل تحقيقها كيفية إدارة أموالنا التي هي أمانة مؤقته عندنا لا نستطيع أخذها عندما يحين الرحيل الذي قد يكون الأن وليس غداً. فهل نحن مستعدون؟ لا يجب أن نكون ملائكة لأننا لسنا معصومين، ولكن لابد لنا أن نكون في مادة المال الذي نسميه مادة من المجتهدين، والخالق يقول: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا". وفهم يا فهيم.