من يصنع جهازاً آلياً يوفر له دليلاً يشرح فيه الكثير عن المصنوع وبالذات في ما يختص بطريقة الإستخدام والصيانة، وكذلك الحال مع الإنسان فقد أوجد له خالقه دليلاً تفصيلياً (القرآن) يشرح أنظمة وصيانة الإنسان، يؤمن له طريقة الاتصال المباشر الذي يغذي النفس البشرية بالتحديثات الفنية الربانية ويمده بأنظمة الحماية من فايروسات البشرية (شياطن الإنس والجن) ولكن ليست حماية مطلقة، لأن من خلق الإنسان نزع منه صفة الكمال ليرى منه الأعمال الباطنة قبل الظاهرة. الخالق جعل الملائكة تسجد للإنسان وجعلهم معصومين يفعلون ما يؤمرون، يسجدون الليل والنهار لايفترون، ولكنه سبحانه لم يجعل الإنسان معصوماً أو يفعل مايؤمر، ولم يطلب منه أن يسجد الليل والنهار لأنه سوف يفتر ولن يقدر. الإنسان لديه مهمة خُلق من أجلها ووضعت صفاته ومواصفاته بناء عليها، ولهذا تم بلغة الإدارة تفويضه أو تكليفه Delegation كمدير عام لتنظيمه الإنساني (جسده بكل ما يحتويه) وأنزل له القرآن كدليل أنظمة الإنسان بعد انتهاء فترة الأنبياء والرسل يشرح له مهامه الشخصية ومعلومات تاريخية لكي يستفيد الإنسان من خبرات ماضي الزمان، أعطي فوق ذلك الحرية في طريقة تطبيق النظام وضُمن له العدل في تقييم أدائه للمهام، حُدد له يوم معلوم يتم فيه عرض نتائج فترة التفويض والتي ليس من حق أي مخلوق القيام بها في الدنيا لأنها مختصة بالخالق في الآخرة. لذلك تركت البشرية بعد تأهيلها وتدريبها أو بعد نضوجها لتفعل ما تشاء دون أنبياء، فينقسم الناس بين عامل لليوم المعلوم و آخر مغشوش موهوم، والفرق بين الحالتين قطعاً يؤثر على الطريقة التي يتم بها القيام بمهام التفويض، لذلك سوف يكون هنالك ناجحون وراسبون، جنة ونار، وهنالك درجات وتقديرات يحددها اداء الإنسان بنفسه لنفسه، ولن تقبل أعذار عدم المعرفة، أو أن هذا ما وجدنا عليه اباءنا وامهاتنا أوعشيرتنا. هو يوم عند مالك يوم الدين فلا حُجة للغافلين. يقول سبحانه محذراً:"رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" (النساء:165). وجاء الدليل القرآني ليُنذر به الإنسان. الدليل يوضح أن إدارة التفويض تحتم جهاد النفس في ممارسة العمل الصالح الذي هو عبادة ولكنه ليس ركوعاً وسجوداً فقط، هو التعامل مع النفس والأنفس الأخرى بما يليق بها كما كرمها خالقها، وأن يكون التفاني في إصلاح الأرض، ليس زراعياً فقط، ولكن أخلاقياً و إيجابياً، يتحقق هذا عند إصلاح نفسك أولاً ومجاهدتها عن أهوائها ليست الحرام منها فقط، ولكن التي لا يعتقد أكثرنا انها ضارة لأنها نابعة من سلوكياتنا التي لا نفرض عليها أحكام الدليل فنظهر وكأن لدينا نظام بديل، يتجسد هذا السلوك عندما نتدخل في ما بين الخالق والمخلوق، والخالق سبحانه لم يسمح بذلك لنبي ولا رسول، لأن هذه أسرار يختص بمعرفتها عالم الأسرار وهو سبحانه من أعطى الإنسان هذه الحرية لكي يختبره فيها فكيف يأتي إنسان ويلغيها؟ يمكننا تشبيه حياة الإنسان بفترة الدراسة، فهنالك منهج وفيه مواد، هنالك نجاح ورسوب ودرجات ترفع التقدير، كلنا يريد أن ينجح في الدراسة بعضنا بالاجتهاد و آخرون بالغش، ويظل الغشاش معتقداً عند حصوله على الشهادة أنه ناجح بصرف النظر إذا كان فالحاً أو طالحاً، لكن في شهادات الآخرة يختلف الوضع، فقد تستطيع خداع الناس بأنك ناجح ولكن لا تستطيع خداع العليم الخبير الذي أحصى كل شيء ولا يخفى عليه شيء سبحانه، فتكون بنفسك قد خدعت نفسك، وإن لم تكتشف هذا في فترة الامتحان وهي مدة حياتك سوف تندم على ذلك عندما تتيقن أنك هالك. لنراجع منهجنا القرآن ونتعلم مواده ونجتهد في تطبيقها بما يرضي واضع المنهج سبحانه وليس بما يرضي بعض الممتحنين أمثالنا لأنهم قد يكونون من الغشاشين الطالحين. سوف يستغرب الغشاشون نتائج بعض الناجحين، لذلك يوضح الدليل أنه بعد التقييم يتساءل الراسبون عن بعض من كانوا يحسبونهم من الفاشلين واكتشفوا أنهم من الناجحين. فيقول تعالى: " وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى? رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ" (64: ص). هم يستغربون لأنهم كانوا يظنون وتناسوا أننا مفتنون بالمال و البنون. [email protected]