تخيلت مشاهد مؤلمة وأنا أحدق في الصورة التي بثتها وسائل الإعلام للحبل الذي لفه الممرض الراحل عبدالرحمن الرويلي حول رقبته لينهي بنفسه وعن سبق إصرار آخر فصول حياته المملؤة بالبؤس والشقاء والفقر وكل مفردات الحياة الكسيفة التي عاشها وسط احتياجات ملحة لأسرة كبيرة تريد أن تأكل وتشرب وتسكن في مكان لائق وتعيش مثل بقية خلق الله , أسرة تضغط بآمالها واحتياجاتها على هذا الفتي اليافع ليؤمن لها عيشا كريما يكفيها عن الحاجة لسؤال الناس. طافت بخيالي مشاهد مفزعة لآلاف الحبال المشدودة والمعلقة وكأنها تنتظر رقاب العاطلين من خريجي التخصصات الصحية أبعد الله عنهم هذا القدر الذي لا يرضيه،ولم استغرق كثيرا في خيالاتي لتأتي الأنباء بخبر ضحية آخر أنهى مسلسل حياته بطلقات من مسدس أخيه في بلدة شري شمال القصيم وكأن اليأس والقنوط من رحمة الله قد سكن قلب من قرر إنهاء حياته بتلك الطريقة المحرمة شرعا لما فيها من اعتراض على القدر وإقفال لأبواب الفرج وإغلاق لأبواب رحمة الله..نهايتان مؤلمتان ومؤسفتان لن نقول أن المنتحرين مريضان نفسيا فمن يعرفهما لا يمكنه إطلاق مثل هذا الحكم وهو من الأحكام التي تطلق عادة لتبرير مثل هذه الأفعال من جهات تحاول التملص من مسئولياتها عن ما حدث, والإلقاء باللائمة على جهات أخرى.ربما غاب العقل وسط حصار رهيب من الهم والغم في حياة زهيدة في نظرهم محملة بالأعباء الثقيلة وساعات الفراغ الطويلة والبطالة القاتلة وأحلام التوظيف التي باتت شبه مستحيلة رغم صدور الأمر الملكي الكريم بتوظيف جميع خريجي الدبلومات الصحية, وهو الأمر الذي ظل تنفيذه حلما ورديا يراود آلاف الخريجين وإلى يومنا هذا تظل أحلام الشباب الواعد من الخريجين تراوح بين الأمل في التوظيف وفقدان الأمل رغم كل حالات الاستنفار التي قام بها الناشطون من الخريجين لشرح قضيتهم للرأي العام عبر كل قنوات الإعلام المتاحة, وهي قضية أخذت وقتا طويلا واستنفذت جهودا مضنية ولم تحقق إلا نتائج غير مرضية بتوظيف ستة آلاف فقط في القطاع الصحي الحكومي وبعض المؤسسات الحكومية الأخرى وثمانية آلاف في القطاع الصحي الخاص وهو قطاع لا يرغبه الخريجون كونه يدفع رواتب زهيدة جدا مقابل ساعات عمل طويلة , وقد حدثني أحد الخريجين عن قصته ومعاناته وهو من منطقة حائل جاء للرياض للعمل في مركز صحي أهلي بمرتب شهري قدره ألفي ريال دون بدل سكن أو أي بدلات أخرى يدفع 18 ألف ريال أيجار للسكن ويتبقى ستة آلاف ريال فقط لا تكفي ولا بنزين للسيارة خلال سنة من العمل والتنقل بين البيت و مقرالعمل, وبين الرياض والأهل في حائل وهي حال كثير من الخريجين يعيشون نفس المعاناة وبصور مختلفة قد لا تكون بنفس السيناريو والتفاصيل ولكن نتائجها ومحصلتها واحدة. أدرك أن كل الخريجين يعمر قلوبهم الإيمان ومن يشذ لاحكم له,ولكن من يهمهم الأمر لم تحرك فيهم كل النداءات والتوسلات والشرح والتفصيل والفواجع أي ساكن فماذا ينتظرون؟هل سيتحركون بعد فوات الأوان؟وإذا كنا نستبعد حصول حالات انتحار لثقتنا بأيمان هؤلاء الشباب فهل سننتظر دون تقديم حلول عملية حتى تتحول معاناة الشباب إلى انغماس في حالات اكتئاب وانطواء وولوج في عوالم تختطف فيها عقولهم لتحويلها في مسارات لا تخدم المجتمع ؟. د.عبدالرحمن الشلاش [email protected] تويتر : @abdulrahman_15