اجتمعت الرؤية الدينية الكنسية مع التخوفات السياسية المطردة من خطر ما يصفونه بالمارد الإسلامي الذي يهدد هوية أوروبا في معقلها، ويزعزع من قيمها المتهاوية في الأساس، وحضارتها الآخذة في الأفول. فرجالات الكنيسة وقادة أوروبا والغرب على اختلاف توجهاتهم الدينية والسياسية يصيحون كثيراً؛ خوفاً من القيم الإسلامية التي يمكن أن تشكل تهديداً لهوية القارة، مشددين في أكثر من مناسبة على ضرورة عدم تجاهل الجذور المسيحية لأوروبا. ونمو النزعة المسيحية الأوروبية، في حقيقته، ليس وليد اليوم، فقد سبق وطرحه بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني، عندما صرح في إحدى مواعظه بأن "أوروبا بدأت تعي وحدتها الروحية، وتستند إلى القيم المسيحية"، وصدر ذلك الطرح سياسياً أيضاً من قِبل قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ في ألمانيا، وغيرهم. وتلك النزعة المسيحية وحدها في حقيقة الأمر لا يوجد ما يهددها إلا الإسلام، خاصة بعد انفضاض الرجل الأوروبي إلى حياته المدنية، مولياً ظهره للكنيسة ورجالها، ومن هنا برز الإسلام كعدو. والمدهش في الأمر أن العالم العربي والإسلامي يعيش في مرحلة تاريخية قاسية فقد فيها موطن الريادة، وانتشرت بين أوصاله نفخة "الوهن"، ورغم ما تمتلكه أوروبا والغرب عموماً من قوة عسكرية باطشة واقتصاد مزدهر وحضارة يتغنون بها ليل نهار، إلا أن الرعشة من الإسلام ما زالت تتملكهم. تلك الرعشة في ذاتها اعتراف صريح بقوة هذا الدين وحيويته وقدرته الذاتية على إزاحة تلك الهويات الأرضية الزائفة ليأخذ مكانه في قلب أوروبا، التي ظلت تعوّل طيلة عقود من الزمن على قوة جاذبيتها وقدرتها على صهر الوافدين الجدد في بوتقتها البراقة، ولكنها تجلت خيبة آمالها، حينما اكتشفت أن جهدها وتصوراتها أصبح هباء منثوراً؛ بعد أن اتضح لها أن المحرك الأساس لهؤلاء الوافدين هويتهم الدينية وثقافتهم المرجعية، وليست الثقافة الوافدة التي حاولت أوروبا أن تصبغهم وتطليهم بها. فالإسلام إذن لم يكن عدواً مشتركاً، فهو على الأقل إشكالية مشتركة وصداع مزمن في قلب القارة الأوروبية المرتعشة خوفاً على حاضرها ومستقبلها من الإسلام، لا سيما بعد تزايد عدد اللاجئين من المسلمين إلى تلك الديار.